إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مثلي ومثل ما بعثني الله كمثل رجل أتى قومًا

          6482- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ) بفتح العين ممدودًا، ابن كُريبٍ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حمَّاد بن أُسامة (عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) اسمه: عامرٌ أو الحارث (عَنْ) جدِّه (أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ ☺ ، أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَثَلِي) بفتح الميم والمثلَّثة، والمَثَلُ الصِّفة العجيبةُ الشَّأن يوردُها البليغُ على سبيل التَّشبيه لإرادة التَّقريب (وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ) ╡، أي: به إليكم(1)، فالعائدُ محذوفٌ (كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا) بالتَّنكير للشُّيوع (فَقَالَ) لهم: إنِّي (رَأَيْتُ الجَيْشَ) المعهود (بِعَيْنَيَّ) بتشديد التحتية بالتَّثنية، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”بعينِي(2)“ بالإفراد كذا في الفرعِ وأصله(3). وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ والعينيُّ(4): بالتَّثنية للكُشميهنيِّ (وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ) بضم العين المهملة وسكون الراء بعدها تحتية، من التَّعرِّي. قيل: الأصل فيه أنَّ رجلًا لقِي جيشًا فسلبوهُ وأسروهُ، فانفلت(5) إلى قومهِ فقال: إنِّي رأيتُ الجيشَ وسلبوني، فرأوه عريانًا فتحقَّقوا صدقَه؛ لأنَّهم كانوا يعرفونَه ولا يتَّهمونَه في النَّصيحةِ ولا جرت عادتُه بالتَّعرِّي، فقطعوا بصدقهِ لهذهِ القرائن، فضربَ النَّبيُّ صلعم لنفسه ولِمَا جاءَ به مثلًا بذلك؛ لِمَا أبداهُ من الخوارقِ والمعجزات الدَّالَّة على القطعِ بصدقهِ تقريبًا؛ لإفهام المخاطبين بما يألفونَهُ ويعرفونَهُ، وقيل: المراد: المنذر(6) الَّذي تجرَّدَ عن ثوبهِ وأخذَ يرفعهُ ويديرهُ حولَ رأسهِ إعلامًا لقومهِ بالغارةِ، وكان من عادتهم أنَّ الرَّجل إذا رأى الغارةَ فجأتهم وأراد إنذار قومه يتعرَّى من ثيابهِ ويشير بها؛ ليعلم أنَّه قد فَجَأَهُم أمرٌ مهمٌّ، ثمَّ صار مَثَلًا لكلِّ ما يخاف مُفَاجأته (فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ) بالمدِّ والهمز فيهما في «الفرعِ» وبالقصر فيهما، وبمدِّ الأولى وقصر الثَّانية تخفيفًا، ولأبي ذرٍّ: ”فالنَّجاةَ“ بهاء التَّأنيث بعد / الألف، وبالنَّصب(7) في الكلِّ على الإغراءِ، أي: اطلبوا النَّجاء أو النَّجاة‼ بأن تُسرعوا الهربَ، فإنَّكم لا تطيقونَ مقاومة ذلك الجيش (فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ) ولأبي ذرٍّ: ”فأطاعه“ بالتَّذكير؛ لأنَّ المراد بعض القوم (فَأَدْلَجُوا) بهمزة قطع وسكون الدال المهملة وبعد اللام المفتوحة جيم مضمومة، ساروا أوَّل اللَّيل أو كلَّه (عَلَى مَهْلِهِمْ) بفتحتين بالسَّكينة والتَّأنِّي، وفي الفرع كأصلهِ بسكون الهاء، وهو الإمهالُ، لكن قال في «الفتح»: إنَّه ليس مرادًا هنا (فَنَجَوْا) من العدوِّ، ولأبي ذرٍّ: ”فادَّلجوا“ بالوصلِ وتشديد الدال(8) المهملة، ساروا آخر اللَّيل، لكن قال في «الفتح»: إنَّه لا يناسب هذا المقام (وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ) أي: أتاهم صباحًا (فَاجْتَاحَهُمْ) بجيم ساكنة بعدها فوقية فألف فحاء مهملة، استأصلهم، أي: أهلكهُم.
          وهذا الحديثُ أخرجهُ المؤلِّف أيضًا في «الاعتصام» [خ¦7283]، ومسلمٌ في «فضائل النَّبيِّ صلعم ».


[1] في (ص): «بما لكم».
[2] في (د): «العين».
[3] «وأصله»: ليست في (ص).
[4] في (ب) و(س): «بعيني».
[5] في (ب) و(ع) و(س): «فانقلب»، وأشار العلَّامة قطَّة ⌂ إلى أنها في نسخة.
[6] في (د): «النذير».
[7] في (ص) و(ل): «فالنَّصب»، وفي (د) و(ع): «والنصب».
[8] «الدال»: ليست في (د) و(س).