إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أي عبدي ما حملك على ما فعلت قال مخافتك

          6481- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى‼) بن إسماعيل التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ) بضم الميم وسكون العين المهملة بعدها فوقية مفتوحة فميم مكسورة فراء، قال: (سَمِعْتُ أَبِي) سليمانَ التَّيميَّ يقول: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) بن دِعامة (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الغَافِرِ) الأزديِّ العَوْذِيِّ، أبي نهارٍ(1) البصريِّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) سعد بن مالكٍ، ولأبي ذرٍّ زيادة: ”الخدريِّ“ ( ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (ذَكَرَ رَجُلًا) فلم يُسمَّ (فِيمَنْ كَانَ سَلَفَ) أي: من بني إسرائيل (أَوْ) قال: فيمن(2) كان (قَبْلَكُمْ) بالشَّكِّ من الرَّاوي عن قتادة (آتَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَدًا) بمدِّ آتاه (يَعْنِي: أَعْطَاهُ) الله، وزاد أبو ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”مالًا“. قال في «الفتح»: ولا معنى لإعادةِ «مالًا» بمفردها (قَالَ: فَلَمَّا حُضِرَ) بضم الحاء المهملة، أي: حضرهُ أوان الموت (قَالَ لِبَنِيهِ(3): أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟) بنصب «أيَّ» خبر كان تقدَّم وجوبًا للاستفهام، وسقط لفظ «لكم» لغير أبي ذرٍّ (قَالُوا): كنت (خَيْرَ أَبٍ) ويجوز الرفعُ، أي: أنت خيرُ أبٍ (قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ) بفتح التحتية وسكون الموحدة بعدها فوقية مفتوحة فهمزة مكسورة فراء (عِنْدَ اللهِ خَيْرًا(4). فَسَّرَهَا قَتَادَةُ) بن دِعامة، أي: (لَمْ يَدَّخِرْ) عند الله خيرًا (وَإِنْ يَقْدَمْ عَلَى اللهِ) بفتح التَّحتية وسكون القاف وفتح المهملة مجزومٌ على الشَّرطيَّة (يُعَذِّبْهُ) بالجزم أيضًا، جزاءَهُ (فَانْظُرُوا فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي) بهمزة قطع (حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا، فَاسْحَقُونِي) بالحاء المهملة والقاف (_أَوْ قَالَ: فَاسْهَكُونِي_) بالهاء والكاف بدلهما بالشَّكِّ من الرَّاوي، قيل: والسَّحق: الدَّقُّ ناعمًا، والسَّهك دونه (ثُمَّ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”حتَّى“ (إِذَا كَانَ رِيحٌ عَاصِفٌ / فَأَذْرُونِي) بقطع الهمزة المفتوحة في الفرعِ كأصله من الثُّلاثي المزيد، أي: طيِّروني (فِيهَا، فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ) عهودَهم (عَلَى) أن يفعلوا به (ذَلِكَ) أي: الَّذي قال لهم (وَرَبِّي) أي: قال لمن أوصاهُ: قل ورَبِّي لأفْعَلَنَّ(5) ذلك، أو هو قَسَمٌ من المُخبر بذلك عنهم ليصحَّ خبره، وفي مسلم: «ففعلوا به ذلك ورَبِّي» فتعيَّن أنَّه قَسَمٌ من المخبر (فَفَعَلُوا) به ما قال لهم (فَقَالَ اللهُ) تعالى له: (كُنْ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ) مبتدأٌ وخبرٌ، وجاز وقوع المبتدأ نكرةً محضةً بعد «إذا» المفاجأة؛ لأنَّها من القرائنِ الَّتي تتحصَّل بها الفائدةُ، كقولك: انطلقتُ فإذا سَبُعٌ في الطَّريق، قاله ابن مالك (ثُمَّ قَالَ) الله تعالى له: (أَيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ) من أمركَ بَنِيْكَ بإحراقكَ(6) وتذريتك (قَالَ): حملَني عليه (مَخَافَتُكَ _أَوْ: فَرَقٌ) بفتح الراء، خوفٌ (مِنْكَ_) شكَّ الرَّاوي(7) أيَّ اللَّفظين قال (فَمَا تَلَافَاهُ) بالفاء، أي: تداركه (أَنْ رَحِمَهُ اللهُ) سقطتِ الجلالة لأبي ذرٍّ.
          واستُشْكل إعرابُه(8)؛ إذ مفهومُه عكس المقصود. وأُجيب بأنَّ «ما» موصولةٌ، أي: الذي تلافاهُ هو الرَّحمة، أو نافية، وأداة الاستثناء محذوفةٌ لقيام القرينة، كما هو رأيُ السُّهيليِّ، أي: فما تداركه إلَّا بأنْ رحمه.
          قال سليمان التَّيميُّ أو قتادة: (فَحَدَّثْتُ أَبَا عُثْمَانَ) عبد الرَّحمن بن ملٍّ النَّهديَّ (فَقَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ) الفارسيَّ، أي: يُحدِّث عن النَّبيِّ صلعم ‼ بمثل هذا الحديث (غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ: فَأَذْرُونِي فِي البَحْرِ) بهمزة قطع مفتوحة، ولأبي ذرٍّ: ”فاذروني“ بهمزة وصل. يقال: ذرتِ الرِّيحُ التُّرابَ وغيرَه ذَرْوًا وأَذْرَتْهُ(9) وذَرَّتْهُ(10) أطارتْه وأذهبتْهُ. وقال في «المشارق»: يقال: ذريْتَ الشَّيء وذروتهُ ذريًا وذروًا، وأذريْتُ أيضًا رباعيٌّ، وذرَّيت _بالتَّشديد_ إذا بدَّدته وفرَّقته، وقيل: إذا طرحتَه مقابل الرِّيح كذلك (أَوْ كَمَا حَدَّثَ) شكَّ الرَّاوي، يريد أنَّه بمعنى حديثِ أبي سعيدٍ لا بلفظه كلِّه.
          (وَقَالَ مُعَاذٌ) هو: ابنُ معاذٍ التَّميميُّ(11) _فيما وصلهُ مسلم_ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دِعامة، أنَّه قال: (سَمِعْتُ عُقْبَةَ) بن عبد الغافرِ قال: (سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ) زاد أبو ذرٍّ: ”الخدريَّ“ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ).
          والحديثُ سبق في «بني إسرائيل» [خ¦3478] ويأتي إن شاء الله تعالى في «التوحيد» [خ¦7508]، وأخرجهُ مسلمٌ في «التَّوبة».


[1] في (ص) و(ب) و(س): «بهار».
[2] في (ب) و(س): «في زمن من».
[3] في (ص): «لأبيه».
[4] «عند الله خيرًا»: في (د) جاءت بعد قوله: «فإن لم يبتئر».
[5] في (ص): «فلأفعلن».
[6] في (ص): «من إحراقك».
[7] في (د): «شك من الراوي».
[8] «إعرابه»: ليست في (ع).
[9] في (ص): «أذريته».
[10] «وذرته»: ليست في (ص).
[11] في (ع) و(ب): «التيمي».