إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان الرجل في حياة النبي إذا رأى رؤيا قصها على النبي

          3738- 3739- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) كذا لأبي ذرٍّ وقال: إنَّه محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ المؤلِّف، وسقط ذلك لغيره، قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ نَصْرٍ)‼ نسبه لجدِّه واسم أبيه إبراهيمُ، السَّعديُّ المروزيُّ، كان ينزل مدينة بخارى بباب بني سعدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّامٍ الصَّنعانيُّ (عَنْ مَعْمَرٍ) هو ابن راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد / بن مسلم ابن شهابٍ (عَنْ سَالِمٍ) هو ابن عبد الله بن عمر (عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ) أنَّه (قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ) من الصَّحابة (فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلعم إِذَا رَأَى رُؤْيَا) قال الكِرمانيُّ: بدون تنوينٍ؛ تختصُّ بالمنام كالرُّؤية باليقظة، فرَّقوا بينهما بحرفي التَّأنيث، أي: الألف المقصورة والتَّاء. انتهى. ومن ثمَّ لحَّنوا المتنبِّي في قوله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .                     ورؤياك أحلى في العيون من الغَمْض
          وأُجيب بأنَّ الرُّؤيا والرُّؤية واحدٌ؛ كقربى وقربةٍ، ويشهد له قول ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ}[الإسراء:60] أنَّها رؤيا عينٍ أُرِيها النَّبيُّ صلعم ليلةَ أُسرِي به، وقوله في الحديث: «وليس رؤيا منامٍ» فهذا ممَّا يدلُّ على إطلاق لفظ الرُّؤيا على ما يُرَى بالعين يقظةً، وقال النَّوويُّ: الرُّؤيا مقصورةً ومهموزةً، ويجوز ترك همزها تخفيفًا، وفي الفرع: ”إذا رأى رؤيًا“ بالتَّنوين (قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلعم ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلعم ، وَكُنْتُ غُلَامًا) ولأبي ذرٍّ: ”شابًّا“ (أَعْزَبَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”عَزبًا“ بغير همزٍ وفتح العين، وهي الفصحى، أي: لا زوجة لي (وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلعم ، فَرَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ) قال ابن حجرٍ ☼ : لم أقف على تسميتهما (أَخَذَانِي) بالنُّون (فَذَهَبَا بِي) بالمُوحَّدة (إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَي البِئْرِ) وهما ما يُبنَى في جانبيها من حجارةٍ تُوضَع عليها الخشبة التي تُعلَّق فيها البكرة (وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ) قال ابن حجرٍ: لم أقف في شيءٍ من الطُّرق على تسمية واحدٍ منهم (فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ النَّارِ) مرَّتين (فَلَقِيَهُمَا) أي: الملكين (مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ) بضمِّ الفوقيَّة وبعد الألف عينٌ منصوبةٌ بـ «لن» كذا في فرع «اليونينيَّة»، وعند القابسيِّ ممَّا ذكره في «الفتح» وغيره: ”لن تُرَعْ“ بالجزم، ووجَّهه ابن مالكٍ: بأنَّه سكَّن العين للوقف، ثمَّ شبَّهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله ثمَّ أجرى الوصل مجرى الوقف، ويجوز أن يكون جزمه بـ «لن» وهي لغةٌ قليلةٌ، قال الفرَّاء: ولا أحفظ لها شاهدًا، أي: لا روع عليك بعد ذلك، وعند ابن أبي شيبة من رواية جرير بن حازمٍ عن نافعٍ: «فلقيه ملكٌ وهو يرعد، فقال: لم تُرَعْ» (فَقَصَصْتُهَا) أي: الرُّؤيا (عَلَى حَفْصَةَ) أمِّ المؤمنين أختِه ♦ .
           (فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلعم ) ولم يقصَّها بنفسه عليه صلعم ‼؛ تأدُّبًا ومهابةً (فَقَالَ) ╕ لها: (نِعْمَ الرَّجُلُ) أخوكِ (عَبْدُ اللهِ لَوكَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ) ولأبي ذرٍّ: ”من اللَّيل“ (قَالَ سَالِمٌ) بالسَّند السَّابق: (فَكَانَ عَبْدُ اللهِ) أي: بعد ذلك (لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا).
          وهذا الحديث قد سبق في «باب فضل من تعارَّ من اللَّيل» [خ¦1157] من طريق نافعٍ مُطوَّلًا، ويأتي إن شاء الله تعالى في «التَّعبير» [خ¦7028] بعون الله وقوَّته.