إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرًا

          2627- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياس قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا) هو ابن مالك ☺ (يَقُولُ: كَانَ فَزَعٌ) بفتح الفاء والزَّاي: خوفٌ من عدوٍّ (بِالمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صلعم فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل زوجِ أمِّ أنس (يُقَالُ لَهُ: المَنْدُوبُ) زاد في «الجهاد» [خ¦2867] من طريق سعيد عن قتادة: «كان يقطف أو كان فيه قطاف»، بالشَّكِّ، أي: بطيء المشي. وقال ابن الأثير: المندوب، أي: المطلوب، وهو من النَّدب: الرَّهن الذي يُجعَل في السِّباق، وقيل: سُمِّيَ به لندبٍ كان في جسمه، وهو أثر الجرح، وقال عياضٌ: يحتمل أنَّه لقبٌ أو اسم بغير معنًى كسائر الأسماء (فَرَكِبَ) ╕ / ، زاد في رواية جرير بن حازم عن محمَّد عن أنس في «الجهاد» [خ¦2969] «ثمَّ خرج يركض وحده، فركب النَّاس يركضون خلفه» (فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ) يوجب الفزَع (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ) أي: الفرسَ (لَبَحْرًا) أي: واسع الجري، ومنه سُمِّي البحر بحرًا لسعته، وتبحَّر فلان في العلم، إذا اتَّسع فيه، وقيل: شبَّهه بالبحر؛ لأنَّ جريه لا ينفد، كما لا ينفد ماء البحر، قال الخطَّابيُّ: و«إنْ» هنا نافيةٌ، واللَّام بمعنى «إلَّا» أي: ما وجدناه إلَّا بحرًا، وعليه اقتصر الزَّركَشيُّ، قال في «التَّوضيح»(1): وهو قصور، وهذا إنَّما هو مذهب كوفيٌّ، ومذهبُ البصريِّين: أنَّ «إنْ» مخفَّفة من الثَّقيلة، واللَّام فارقة بينها وبين النَّافية. انتهى. وقد سبقه إليه ابن التِّين. قال الحافظ ابن حَجَر: وفي رواية المُستملي: ”وإِنْ وَجدْنا“ بحذف الضَّمير، وفي رواية حمَّاد عن ثابتٍ عن أنسٍ في «الجهاد» [خ¦2866] أيضًا: «استقبلهم النَّبيُّ صلعم على فرسٍ عُرْيٍ، ما عليه سرجٌ، وفي عنقه سيفٌ». وأخرجه الإسماعيليُّ عن حمَّادٍ، وفي أوَّله: «فزعَ أهل المدينة ليلةً، فتلقَّاهم النَّبيُّ صلعم ‼ قد سبقهم إلى الصَّوت، وهو على فرس بغير سرج»، واستُدِلَّ به: على مشروعيَّة العاريَّة، وكانت _كما قاله الرُّويانيُّ_ واجبةً أوَّلَ الإسلام للآية السَّابقة(2)، ثم نُسِخَ وجوبها فصارت مستحبَّةً، أي: أصالة، فقد تجب كإعارة الثَّوب لدفع حَرٍّ أو برد، وإعارة الحبل(3) لإنقاذ غريق، والسِّكين لذبح حيوانٍ محترم يُخشَى موته، وقد تحرُمُ كإعارة الصَّيد من المحرِم، والأَمَة من الأجنبيِّ، وقد تُكْرَه كإعارة العبد المسلم من كافر، ويُشتَرط في المُعير(4) أن يملك المنفعة، فتصحُّ الإعارة من المستأجر لا من المستعير، لأنَّه غير مالك لها، وإنَّما أُبيحَ له الانتفاع، لكنّ للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه وبوكيله، كأن يُرْكِبَ الدابَّة المستعارة وكيلَه في حاجته أو زوجتَه أو خادمَه، لأنَّ الانتفاع راجع إليه بواسطة المباشِر. وحكمُ العارية _إذا تلفت في يد المستعير بآفة سماوية، أو أتلفها هو أو غيره ولو بلا تقصير_ الضَّمانُ، لحديث أبي داود وغيره: «العارية مضمونة» ولأنها(5) مال يجب ردُّه لمالكه، فيضمن عند تلفه كالمأخوذ بجهة السَّوْم، فإن تلفت باستعمالٍ مأذونٍ فيه كاللُّبس والرُّكوب المعتادَين، لم يضمن لحصول التَّلف بسببٍ مأذونٍ فيه.


[1] في (د): «المصابيح». ولعله الصواب.
[2] يقصد قوله تعالى: { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } وقد سبق ذكرها أول الباب.
[3] في (د): «الخيل».
[4] في (ب): «الغير» وهو تحريفٌ.
[5] في (د1) و(ص) و(م): «لأنَّه».