إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب الهبة للولد

          ░12▒ (بابُ) حكم (الهِبَةِ لِلْوَلَدِ) من الوالد (وإِذَا أَعْطَى) الوالد (بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ) له ذلك (حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ، وَيُعْطِيَ الآخَرِينَ(1) مِثْلَهُ) وللحَمُّويي والمُستملي: ”ويُعْطَى“ بضمِّ أوَّله وفتحِ ثالثِه ”الآخرُ“ بالإفراد والرَّفع نائبًا عن الفاعل (وَلَا يُشْهَدُ عَلَيْهِ) مبنيٌّ للمفعول، والضَّمير في «عليه» للأب، أي: لا يسع الشُّهود أن يشهدوا على الأب إذا فضَّل بعض بنيه على بعض.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) فيما وصله في الباب اللَّاحق [خ¦2587] من حديث النُّعمان: (اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي العَطِيَّةِ) هبةً أو هديَّةً أو صدقةً، وسقط / لفظ «في العطيَّة» في الباب اللَّاحق (وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ) الَّتي أعطاها لولده؟ نعم له ذلك، وكذا سائر الأصول من الجهتين، ولو مع اختلاف الدِّين من دون حكم الحاكم، سواء أقبضها الولد أم لا، غنيًّا كان أو فقيرًا، صغيرًا أو كبيرًا؛ لحديث التِّرمذي والحاكم وصحَّحاه: «لا يَحِلُّ لرجل أن يعطيَ عطيَّة أو يهب هبةً فيرجع فيها إِلَّا الوالد فيما يُعطي لولده(2)»، والوالد يشمل كلَّ الأصولِ إِنْ حُمِل اللَّفظ على حقيقته ومجازه، وإلَّا لَحِق به بقيَّة الأصول، بجامع أنَّ لكلٍّ ولادةً(3) كما في النَّفقة (وَ) حكم (مَا يَأْكُلُ) الوالدُ (مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالمَعْرُوفِ) إذا احتاج (وَلَا يَتَعَدَّى) لكن قال ابن المُنَيِّر: وفي انتزاعه من حديث الباب خفاءٌ، وفي حديث عمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جدِّه عند الحاكم مرفوعًا: «إنَّ أطيب ما أكل الرَّجل من كسبه، وإنَّ ولده من كسبه، فكلوا من مال أولادكم».
          (وَاشْتَرَى النَّبِيُّ صلعم ) فيما وصله المؤلِّف‼ في «كتاب البيوع» [خ¦2115] في حديث طويل (مِنْ عُمَرَ) بن الخطاب (بَعِيرًا، ثُمَّ أَعْطَاهُ) أي: البعيرَ(ابْنَ عُمَرَ، وَقَالَ) ╕ : (اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ) فيه تأكيدٌ للتَّسوية بين الأولاد في الهبة، لأنَّه ╕ لو سأل عمر أن يهبه لابن عمر لم يكن عدلًا بين بني عمر، فلذلك اشتراه صلعم ثمَّ وهبه له، وفيه دليل على أنَّ الأجنبيَّ يجوز له أن يخصَّ بالهبة بعضَ ولد صديقه دون بعضٍ، ولا يُعَدُّ ذلك جَورًا.


[1] في (د): «الآخَرُ».
[2] في (د): «ولده». كذا في سنن الترمذي والمستدرك.
[3] في (د1): «ولاية».