إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى له أم لا

          2597- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذَرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنديُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيَيْنَة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهاب (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوّام (عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ) بضمِّ الحاء المهملة وفتح الميم، عبد الرَّحمن بن المنذر (السَّاعِدِيِّ) الأنصاري ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صلعم رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ) بفتح الهمزة وسكون الزاي آخره دال مهملة (يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأُتَبِيَّةِ‼ عَلَى الصَّدَقَةِ) بسكون اللَّام وضمِّ الهمزة وفتح الفوقيَّة وكسر الموحَّدة وتشديد التَّحتيَّة، وفيه أربعة أقوالٍ سبق التَّنبيه عليها في «كتاب الزَّكاة» [خ¦1500] قال الكِرْمانيُّ: والأصحُّ أنَّه باللَّام وسكون الفوقيَّة، وأنَّه(1) نسبةٌ إلى بني لُتْب(2) قبيلة معروفة، واسمه عبد الله (فَلَمَّا قَدِمَ) المدينة وفرغ من عمله، حاسبه ╕ (قَالَ) أي: ابن الأُتَبِيَّة (هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، قَالَ) ╕ : (فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ) قال: (بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ يُهْدَى) بحذف همزة الاستفهام، ولأبي ذَرٍّ: ”أَيُهْدَى“ (لَهُ) وللحَمُّويي والمُستملي: ”إليه“ (أَمْ لَا؟) بنصب الفعل المضارع المقترن بالفاء في جواب التَّحضيض المتقدِّم، وهو: «هلَّا جلس في بيت أبيه أو بيت أمِّه»، والظَّاهر أنَّ النَّظر هنا بَصَريٌّ، والجملةُ الواقعة بعده مقترنةٌ بالاستفهام في محلِّ نصبٍ، وهو معلَّق عن العمل. وقد صرّح الزَّمخشَرِيُّ بتعليق النَّظر البَصَريِّ، لأنَّه من طريق العلم، وتوقَّف فيه ابن هشام في «مغنيه» مرَّة، وقال به أُخرى، حكاه في «المصابيح»، وهذا موضع التَّرجمة، لأنَّه ╕ عابَ على ابن الأُتَبِيَّة قَبولَه الهديَّة الَّتي أُهدِيت له، لكونه كان عاملًا، وفيه أنَّه يحرم على العمَّال قَبول هدايا رعاياهم، على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.
          (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ) أي: من مال الصدقة (شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) حال كونه (يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ) المأخوذ (بَعِيرًا) أي: يحمله على رقبته، بحذف جواب الشَّرط، لدلالة المذكور عليه (لَهُ رُغَاءٌ) بضمِّ الرَّاء وبالغين المعجمة ممدودًا صفةٌ للبعير، يُقال: رغا البعير إذا صوَّتَ (أَوْ) كان المأخوذ (بَقَرَةً) يحملها على رقبته (لَهَا خُوَارٌ) بضمِّ الخاء المعجمة، صفة للبقرة، وهو صوتها (أَوْ) كان المأخوذ(3) (شَاةً) يحملها على رقبته (تَيْعَرُ) بفتح المثنَّاة الفوقيَّة وسكون التَّحتيَّة وفتح العين المهملة آخره راء، صفةٌ لـ «شاة» أي: تُصوِّت (ثُمَّ رَفَعَ) ╕ (بِيَدِهِ) وفي نسخةٍ: ”يدَه“ (حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ) / بضمِّ العين المهملة وسكون الفاء وفتح الرَّاء آخرُه هاء تأنيث، أي: بياضهما المشوب بالسُّمرة، ولأبي ذَرٍّ: ”عُفْرَ“ بإسقاط هاء التَّأنيث (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا) أي: قد بلَّغتُ، أو استفهامٌ تقريريٌّ، والتَّقرير للتَّأكيد، ليُسمعَ من لا سَمِعَ، وليبلِّغِ الشَّاهد الغائب، وفيه: أنَّ هدايا العمَّال تُجعل في بيت المال، وأنَّ العامل لا يملكها إلَّا أن يطيِّبها له الإمام، كما في قصَّة معاذ: أنَّه ╕ طيَّب له الهديَّة، فأنفذها له أبو بكر ☺ بعد رسول الله صلعم .
          وقد سبق حديث الباب في «الزَّكاة» [خ¦1500] وأخرجه أيضًا في «الأحكام» [خ¦7197] و«النُّذور» [خ¦6636] و«ترك الحيل» [خ¦6979]، ومسلم في «المغازي» وأبو داود في «الخَراج».


[1] في (د1) و(ص): «الهاء».
[2] في (ج): «ليث».
[3] قوله: «بَقَرَةً يحملها... المأخوذ» سقط من (د1) و(ص).