إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قضى النبي بالغرة عبد أو أمة

          6905- 6906- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المنقريُّ، ويُقال له: التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) بضم الواو وفتح الهاء، ابن خالد قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير (عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☺ أنَّه اسْتَشَارَهُمْ) أي: الصَّحابةَ، ولمسلم: استشار النَّاس، أي: طلب ما عندهم من العلمِ في ذلك، وهل سمع أحدٌ منهم من رسول الله صلعم ‼ في ذلك شيئًا كما صرَّح بذلك في بعض الطُّرق، ولا يُعارض هذا ما في بعض الطُّرق أنَّه استشارَ بعض أصحابه وفسِّر بأنَّه عبد الرَّحمن بن عوف، فيكون من إطلاقِ النَّاس عليه كقولهِ تعالى: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}[آل عمران:173] فإنَّه أريدَ به نُعيم بن مسعود الأشجعيُّ، أو أربعة كما نصَّ عليه الشَّافعيُّ في «الرِّسالة»، أو أنَّه استشار النَّاس عمومًا واستشار عبد الرَّحمن خصوصًا (فِي إِمْلَاصِ المَرْأَةِ) بكسر الهمزة وسكون الميم آخره صاد مهملة، مصدر أملصَ، يأتي متعدِّيًا كأملصتُ الشَّيءَ، أي: أزلقتُه فسقط، ويأتي قاصرًا(1) كأملصَ الشَّيء إذا تزلَّق وسقط. يُقال: أملصَتِ المرأةُ ولدها، وأزلقتْه(2) بمعنى: وضعتْهُ قبل أوانهِ، فالمصدر هنا مضاف(3) إلى فاعلهِ، والمفعول به محذوفٌ، يعني(4): فيما / يجبُ على الجاني في إجهاض المرأةِ الجنين، أو بالجنينِ على تقديرَي التَّعدِّي واللُّزوم، ونسب الفعل إليها؛ لأنَّ(5) بالجناية عليها كأنَّها الفاعلةُ لذلك (فَقَالَ المُغِيرَةُ) بنُ شعبة، وفيه تجريدٌ؛ إذ الأصل أن يقولَ: فقلتُ، كما هو في رواية المصنِّف في «الاعتصام» من طريق أبي معاوية [خ¦7317] (قَضَى) أي: حكمَ (النَّبِيُّ صلعم ) ويحتملُ أن يكون المراد: الإخبارَ عن حكمِ الله والإفتاء به (بِالغُرَّةِ) في الجنين (عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ) بالجرِّ فيهما على البدليَّة بدل كلٍّ من كلٍّ، والغُرَّة: بضم الغين المعجمة وتشديد الراء. قال الجوهريُّ في «صحاحه»: عبَّر النَّبيُّ صلعم عن الجسم كلِّه بالغرَّة. قال أبو عَمرو ابن العلاء: المراد: الأبيضُ لا الأسود، ولولا أنَّه صلعم أراد بالغرَّة معنًى زائدًا على شخصِ العبد والأمة لما ذكرها. قال النَّوويُّ: وهو خلافُ ما اتَّفق عليه الفقهاء من إجزاء الغُرَّة السَّوداء أو البيضاء. قال أهل اللُّغة: الغرَّة عند العرب أنفس الشَّيءِ، وأطلقت(6) هنا على الإنسان؛ لأنَّ الله تعالى خلقهُ في أحسنِ تقويمٍ، فهو من أنفسِ المخلوقاتِ قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء:70].
          (قَالَ: ائْتِ مَنْ)(7) وعند الإسماعيليِّ من طريق سفيان بن عُيينة: «فقال عُمر: من» (يَشْهَدُ مَعَكَ) وفي رواية وكيع _عند مسلم_: فقال: ائتِنِي بمن يشهدُ مَعَك(8) (فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ) الخزرجيُّ البدريُّ ☺ (أَنَّهُ شَهِدَ) أي: حضرَ (النَّبِيَّ صلعم قَضَى بِهِ) ولفظ الشَّهادة في قولهِ: «فشهد» المراد به: الرُّؤية، وقد شرط(9) الفقهاءُ في وجوب الغرَّة انفصالَ الجنين ميِّتًا بسبب الجنايةِ، وإن(10) انفصل حيًّا فإن مات عقبَ انفصاله أو دام ألمهُ ومات فديَة؛ لأنَّا تيقنَّا حياتهُ وقد مات بالجنايةِ، وإنْ بقيَ زمنًا(11) ولا ألم به ثمَّ مات فلا ضمان فيه؛ لأنَّا لم نتحقَّق موته بالجنايةِ.
          والحديث أخرجه أبو داود في «الدِّيَات» أيضًا.


[1] في (ص) و(ل): «وقاصرًا».
[2] في (د): «وأزلقت به».
[3] في (د): «فالمصدر مضاف هنا».
[4] في (س): «أي»، وفي (ل): «يعني، أي» معًا.
[5] في (د): «لأنه».
[6] في (د): «وأطلق».
[7] «قَالَ: ائْتِ مَنْ»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[8] هذا التنسيق متنًا وشرحًا على وفق (س)، أما المخطوطات؛ فجعلته كله من الشرح.
[9] في (د): «اشترط».
[10] في (س): «فإن».
[11] في (د): «زمانًا».