إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب القسامة

          ░22▒ (باب القَسَامَةِ) بفتح القاف، مأخوذةٌ من القَسَمِ وهو اليمين. وقال الأزهريُّ: القَسَامة اسمٌ للأولياء الَّذين يحلفون على استحقاقِ دمِ المقتولِ، وقيل: مأخوذةٌ من القسمةِ لقسمةِ الأيمانِ على الورثةِ، واليمين فيها من جانب المدَّعي؛ لأنَّ الظَّاهر معه بسببِ اللَّوْث المقتضِي لظنِّ صدقِهِ، وفي غير ذلك الظَّاهر مع المدَّعى عليه، فلذا خرج هذا عن الأصل.
          (وَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ) بالمثلثة الكنديُّ، ممَّا وصلُه في «الشهادات» [خ¦2669] وغيرها [خ¦2515] (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ) برفع «شاهداكَ» خبر مبتدأٍ محذوفٍ، أي: المثبت لدعواكَ شاهداكَ، «أو يمينه» عطفٌ عليه (وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) هو: عبدُ الله بن عُبيد الله(1)بن أبي مُلكيةَ _بضم الميم_ واسمه: زُهير، ممَّا وصلَه حمَّاد بن سلمةَ‼ في «مصنفه»، ومن طريقهِ(2) ابن المنذر (لَمْ يُقِدْ) بضم الياء(3) التحتية وكسر القاف من أقادَ، أي: لم يقتصَّ (بِهَا) بالقسامةِ (مُعَاوِيَةُ) بنُ أبي سفيان، وتوقَّف ابن بطَّال في ثبوته، فقال: قد صحَّ عن معاوية أنَّه أقادَ بها، ذكر ذلك عنه أبو الزِّناد في احتجاجهِ على أهل العراق، قال في «الفتح»: هو في صحيفةِ عبد الرَّحمن بن أبي الزِّناد عن أبيه، ومن طريقهِ أخرجه البيهقيُّ، وجمع بأنَّ معاوية لم يُقِد بها لمَّا وقعَتْ له، وكان الحكمَ في ذلك، ولمَّا وقعتْ لغيرِه وَكَلَ الأمرَ في ذلك إليهِ، فلفظ البيهقيِّ عن خارجةَ بن زيد بنِ ثابت، قال: قتلَ رجلٌ من الأنصارِ رجلًا من بني العَجْلان / ولم يكنْ في ذلك بَيِّنَةٌ ولا لطْخٌ، فأجمعَ رأيُ النَّاس على أن تحلِفَ ولاةَ المقتولِ، ثمَّ يُسلَّم إليهم فيقتلوهُ، فركبْتُ إلى معاويةَ في ذلك، فكتبَ إلى سعيدِ بن العاص إن كان ما ذكرهُ حقًّا فافعلْ ما ذكروه، فدفعتُ الكتاب إلى سعيدٍ فأحلفَنَا خمسين يمينًا ثمَّ أسلمَه إلينا. انتهى.
          فنُسب إلى معاوية أنَّه أقاد بها لكونه أذنَ في ذلك، ويحتمل أن يكون معاوية كان يَرى القودَ بها، ثمَّ رجعَ عن ذلك أو بالعكسِ (وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ) ⌂ (إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ) بفتح الهمزة والطاء المهملة بينهما راء ساكنة وبعد الألف هاء تأنيث غير منصرفٍ، الفزاريِّ (وَكَانَ) ابن عبد العزيز (أَمَّرَهُ) جعله أميرًا (عَلَى البَصْرَةِ) سنة تسع وتسعين (فِي) أمر (قَتِيلٍ وُجِدَ) بضم الواو وكسر الجيم (عِنْدَ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السَّمَّانِينَ) الَّذين يبيعون السَّمن: (إِنْ وَجَدَ أَصْحَابُهُ) أي: أصحاب القتيلِ (بَيِّنَةً) يحكم بها (وَإِلَّا) أي: وإن لم يجد أصحابه بيِّنةً (فَلا تَظْلِمِ النَّاسَ) بالحكم في ذلك بغير بيِّنةٍ (فَإنَّ هَذَا لَا يُقْضَىَ) بضم التحتية وفتح الضاد المعجمة، أي: لا يحكُم (فِيْهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ). قال في «الفتح»: وقد اختلفَ على عمر بن عبد العزيز في القَوَد(4) بالقسامةِ كما اختُلفَ على معاوية، فذكر ابن بطَّال أنَّ في «مصنَّف» حمَّاد بن سلمة، عن ابنِ أبي مُليكة: أنَّ عمرَ بن عبد العزيز أقادَ بالقسامَةِ في إمرتهِ على المدينة، فيُجمع بأنَّه كان يرى ذلك لمَّا كان أميرًا على المدينةِ، ثمَّ رجعَ لمَّا ولي الخلافةَ.


[1] في (د): «عبد الله بن عبد الرحمن».
[2] في (د): «طريق».
[3] «الياء»: ليست في (د).
[4] في (د): «القول».