إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا}

          ░11▒ (باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى) في سورة النساء: ({وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ}) وما صحَّ له ولا(1) استقامَ وليس من شأنهِ ({أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا}) ابتداءً بغير حقٍّ ({إِلاَّ خَطَئًا}) صفةُ مصدرٍ محذوفٍ، أي: قتلًا خطأ، أو على الحال، أي: لا يقتلهُ في شيءٍ من الأحوالِ إلَّا حال الخطأ، أو مفعول له، أي: لا يقتله لعلَّة إلَّا للخطأ ({وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا}) قتلًا ({خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}) مبتدأ، والخبر محذوفٌ، أي: فعليه تحريرُ رقبةٍ، أي: عتقها، والرَّقبة: النَّسمة ({مُّؤْمِنَةٍ}) محكوم بإسلامها، قيل: لما أخرج نفسًا مؤمنةً من جملة الأحياء لزمَه أن يُدخل نفسًا مثلها في جملة الأحرار؛ لأنَّ إطلاقَها من قيد الرِّقِّ كإحيائها من قبل أنَّ الرَّقيق ملحقٌ بالأموات؛ إذ الرِّقُّ أثرٌ من آثار الكفر، والكفرُ موتٌ حكمًا {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}[الأنعام:122] وإنَّما وجب عليه ذلك لما ارتكبه من الذَّنب العظيم وإن كان خطأً ({وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}) مؤدَّاة إلى ورثتهِ عوضًا عمَّا فاتَهُم من قريبهِم يقتسمونها كما يقتسمون الميراثَ لا فرق بينها وبين سائر التَّرِكات، فيقضى منها الدَّين وتنفَّذ الوصية... إلى آخره، وإنَّما تجب على عاقلةِ القاتلِ لا في ماله ({إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ}) أي: يتصدَّقوا عليه بالدِّية، أي: يعفوا عنه فلا تجب ({فَإِن كَانَ}) المقتول خطأً ({مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ}) أعداءً لكم، أي: كفرةً محاربين والعدوُّ يُطلق على الجمع ({وَهُوَ}) أي: المقتولُ ({مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}) فعلى قاتلهِ الكفَّارة دون الدِّية لأهله؛ إذ لا وراثةَ بينه وبينهم؛ لأنَّهم محاربون ({وَإِن كَانَ}) أي: المقتول ({مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ}) بين المسلمين ({وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ}) عهد ذمَّةٍ أو هدنةٍ ({فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً}) كالمسلم ولعلَّه فيما إذا كان المقتولُ معاهدًا، أو كان له وارثٌ مسلم ({فَمَن لَّمْ يَجِدْ}) رقبةً بأن لم(2) يملكْها ولا ما يتوصَّل به إليها ({فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ}) فعليه صيام شهرين ({مُتَتَابِعَيْنِ}) لا إفطارَ بينهما، بل يسردُ صومَهما إلى آخرهمَا، فإن أفطرَ من غيرِ عذرٍ من مرضٍ، أو حيضٍ، أو نفاسٍ استأنف(3) ({تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ}) أي: قبولًا من الله ورحمةً منه، من تابَ الله عليه إذا قَبِل‼ توبتَهُ، يعني: شرعَ ذلك توبةً منه(4)، أو فليتبْ توبةً، فهو نصب على المصدر ({وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا}) بما أمر ({حَكِيمًا}[النساء:92]) فيما قدَّرَ، وسقط لأبي ذرٍّ وابن عساكرَ من قولهِ «{وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا}» إلى «{حَكِيمًا}»، وقالا(5) بعد قولهِ: {إِلاَّ خَطَئًا}: ”الآيةَ“ وهذه الآية أصلٌ في الدِّيات، فذكر فيها ديتين وثلاث كفَّارات؛ ذكر: الدِّية والكفَّارة بقتل المؤمن في دارِ الإسلام، والكفَّارة دون الدِّية في قتلِ المؤمن في دار الحربِ في صفِّ المشركين إذا حضر معهم الصَّف فقتله مسلمٌ، وذكر الدِّية والكفَّارة في قتل الذِّميِّ في دار الإسلامِ، ولم يذكرِ المؤلِّف في هذا الباب حديثًا عند الأكثرِ.


[1] في (د): «ما صح له وما».
[2] في (ع) و(د): «لا».
[3] في (ص): «استأنفه».
[4] في (د): «له».
[5] في (د): «وقال».