إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث المقداد: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله

          6865- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقب عبد الله بنِ عثمانَ بن جبلةَ بنِ أبي روَّاد العتكيِّ المروزيِّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبرنا“ (عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبرنا“ (يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بن مسلمٍ أنَّه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ (عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ) اللَّيثيُّ: (أَنَّ عُبَيْدَ اللهِ) بضم العين (بْنَ عَدِيٍّ(1)) بفتح العين وكسر الدال المهملتين آخره تحتية مشددة، ابن الخِيَار _بكسر المعجمة وتخفيف التحتية_ النَّوفليَّ (حَدَّثَهُ: أَنَّ المِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو) بفتح العين (الكِنْدِيَّ) المعروف بابنِ الأسود (حَلِيفَ بَنِي زُهْرَةَ) بضم الزاي وسكون الهاء (حَدَّثَهُ وَكَانَ) المقدادُ ☺ (شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلعم ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ) حرف شرط (لَقِيتُ كَافِرًا) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”إني“ بصيغةِ الإخبار عن الماضِي، فيكون سؤالهُ عن شيءٍ وقع، قالوا: والَّذي في نفسِ الأمر‼ بخلافه، وإنَّما سأل عن حكمِ ذلك إذا وقع، ويؤيِّده رواية «غزوة بدرٍ» [خ¦4019] بلفظ: أرأيتَ إن لقيتُ رجلًا من الكفَّار (فَاقْتَتَلْنَا، فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ) بمعجمة، أي: التجأَ (بِشَجَرَةٍ) مثلًا، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”ثمَّ لاذَ منِّي بشجرةٍ“ أي: منع نفسه منِّي بها (وَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ) أي: دخلتُ في الإسلام (أأقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالها؟) أي: كلمةَ: أسلمتُ لله(2) (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا تَقْتُلْهُ) بالجزم بعد أن قالها (قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّهُ طَرَحَ) أي: قطع بالسَّيف (إِحْدَى يَدَيَّ) بتشديد الياء (ثُمَّ قَالَ / ذَلِكَ) القول، وهو: أسلمتُ لله (بَعْدَ مَا قَطَعَهَا(3) أأقْتُلُهُ(4)؟) بهمزة الاستفهام كالسَّابق (قَالَ) ╕ (لَا تَقْتُلْهُ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ) قال الكِرْمانيُّ فيما نقله عنه في «الفتح»: القتلُ ليس سببًا؛ لكون كلٍّ منهما بمنزلة الآخرِ، لكنَّه مؤوَّلٌ عند النُّحاة بالإخبار، أي: هو سببٌ لإخباري لك(5) بذلك، وعند البيانيِّين المرادُ لازمُه، كقولهِ: يباحُ دمُك إنْ عصيتَ، والمعنى: أنَّه بإسلامهِ معصوم الدَّم(6)، فلا تُقطع يدُه بيدِك الَّتي قطعَها في حال كفرِه (وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ) أسلمتُ لله (الَّتِي قَالَـ)ـها، والمعنى _كما قاله الخطابيُّ_: إنَّ الكافر مباح الدَّم بحكم الدِّين قبل أن يُسلم، فإذا أسلمَ صار مُصان(7) الدَّم كالمسلم، فإن قَتَلَه المسلم بعد ذلك صارَ دمُه مباحًا بحقِّ القصاصِ كالكافر بحقِّ الدِّين، وليس المرادُ إلحاقه به في الكفرِ كما تقول الخوارج من تكفيرِ المسلم بالكبيرةِ، وحاصلُه: اتِّحاد المنزلتين مع اختلافِ المأخذِ، فالأوَّل(8): أنَّه مثلك في صون الدَّم، والثَّاني: أنَّك مثله في الهدرِ، وقيل: معناه: أنَّه مغفورٌ له بشهادةِ التَّوحيد كما أنَّك مغفورٌ لك بشهود(9) بدرٍ، وفي مسلم من رواية مَعمر عن الزُّهْرِيِّ في هذا الحديث أنَّه قال: لا إله إلا الله.
          وحديث الباب أخرجه مسلمٌ في «الإيمان»، وأبو داود في «الجهاد»، والنَّسائيُّ في «السِّيَر».
          6866- (وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ) بفتح العين وسكون الميم، القصَّاب الكوفيُّ، لا يُعرف اسم أبيه(10): (عَنْ سَعِيدٍ) بكسر العين، ابن جبير (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم لِلْمِقْدَادِ) المعروف بابنِ الأسود: (إِذَا كَانَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”رجل ممَّن“ (يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ، فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ) قال في «الكواكب»: فإن قلت: كيف يقطعُ يدَه وهو ممَّن يكتُم إيمانهُ؟ وأجاب بأنَّه فعل ذلك دفعًا للصَّائل، قال: أو السُّؤال(11) كأنَّه على سبيلِ الفرض والتَّقدير(12) والتَّمثيل لاسيَّما وفي بعضِها: إن لقيت، بحرف الشَّرط (فَكَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تُخْفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ قَبْلُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”من قَبْل“(13) .
          وهذا التَّعليق وصلَه البزَّار والطَّبرانيُّ في «الكبيرِ».


[1] في (ب): «عبدي».
[2] هذه العبارة جاءت في (د) مشوَّشة على النحو التالي: «وَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ؛ أي: كلمةَ أسلمتُ لله؛ أي: دخلتُ في الإسلام، أأقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالها؟».
[3] في (ص): «قالها».
[4] في (ل): «آقتله؟».
[5] في (ع): «لإخبار المشك».
[6] في (د): «والمعنى: أنَّه معصوم بإسلامه».
[7] في (ب) و(س): «مصون».
[8] في (ص): «الأول».
[9] في (ع): «بشهادة».
[10] في (د): «لا يعرف اسمه».
[11] في (د): «والسؤال».
[12] «والتقدير»: ليست في (س).
[13] في (د): «عن الحَمُّويي والمُستملي زيادة: «مِن»، قبْلَ: قبْلُ».