الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب التيمم في الحضر

           ░3▒ (باب: التَّيَمُّم في الحَضَر)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: أثبت الحكم في الصَّلاة مقايسةً، فإنَّ التَّيمُّم لَمَّا جاز في الحضر لِمَا لمْ يتوقَّف على التَّيمُّم عند خوف فَواته، فَالصَّلاة أولى بالجواز لأنَّها أهمُّ، إلَّا أنَّه موقوفٌ على خوف الفوات. انتهى.
          وفي «هامشه» كتب مولانا محمَّد حسن المكِّيُّ في «تقريره»: أثبته في الحضر، لأنَّ الآية وردت في السَّفر، فأشار إلى أنَّه قيدٌ اتِّفاقيٌّ. انتهى.
          قلت: اختلفوا في جوازه في الحضر لعادم الماء بعد اتِّفاقهم على جوازه للمريض، واختلفوا في الأوَّل لندرة العذر، بل لاستحالة أن يكونوا مقيمين في المصر بدون ماءٍ، وظاهر ما في الهداية ألَّا يجوز في الحضر إذ قُيِّد جوازه بالمسافر وبمَنْ هو خارج المصر، وحكى العينيُّ جوازه عن «الأسْرَار»(1) وقال: هو مذهبنا، وعليه بنى صاحب «الدُّرِّ المختار» إذ صرَّح بأنَّه يتيمَّم لبعده ميلًا، ولو مقيمًا في المصر، وعليه بنى الشَّيخ كلامه، ويتيمَّم عند الأئمَّة الثَّلاثة لكنَّهم اختلفوا في وجوب الإعادة وعدمه، وهما قولان لأحمد، كما في «المغني»، والمرجَّح مِنْ قولَي الإمام مالكٍ عدمُ الإعادة، وقال الشَّافعيُّ بوجوب الإعادة، كما بسط في «الأوجز»(2).
          ثُمَّ لا يذهب عليك أنَّ أثر ابن عمر الَّذِي علَّقه البخاريُّ ليس فيه ذكر التَّيمُّم، وهو موجودٌ في رواية «الموطَّأ» وغيره، قال الحافظ: ولم يظهر لي سبب حذفه منه ذكر التَّيمُّم مع أنَّه مقصود الباب. انتهى.
          وتعقَّبه العينيُّ بأنَّ الَّذِي يظهر لي أنَّه مِنَ النَّاسخ، واستمرَّ الأمر عليه، وليس له وجه غير هذا. انتهى.
          وتبعه القَسْطَلَّانيُّ في ذلك.
          والأوجه عندي أنَّه مِنَ البخاريِّ عمدًا، فإنَّ تشحيذ الأذهان مِنْ دأبه المعروف، وكتابه مملوءٌ في ذلك، واستند الحافظ في هذا الأصل كثيرًا في كتابه / كما تقدَّم في الأصل الحادي عشر.
          وممَّا يجب التَّنبُّه(3) عليه أنَّ أبا جُهَيمٍ المذكور في الرِّواية هل هو بالتَّصغير و(4)بالتَّكبير(5)؟ وهل هو صاحب حديث المرور في الصَّلاة أو غيره؟ مختلفٌ عند أهل الرِّجال، وفي الصَّحابة رجلٌ آخر هو أبو جَهْمٍ صاحب الأَنْبَجَانيَّة وردت الرِّوايات فيه أيضًا بالتَّصغير، والصَّواب أنَّه بالتَّكبير والأوَّل بالتَّصغير، كما بسط ذلك في «الأوجز» في حديث المرور بين يدَي المصلِّي(6). انتهى ما في «الهامش(7)» مختصرًا(8).


[1] الأسرار في الفروع والأصول (خ)، لأبي زيد الدبوسي، عبيد الله بن عمر، ت:430 هـ = 1039م (كشف الظنون:1/81)، (الاعلام للزركلي:4/109)
[2] أوجز المسالك:1/568
[3] في (المطبوع): ((التنبيه)).
[4] في (المطبوع): ((أو)).
[5] هكذا وردت في الأصل
[6] أوجز المسالك3/263، وقال الحافظ ابن حجر قوله على أبي جهيم قيل اسمه عبد الله، ووقع في مسلم دخلنا على أبي الجهم بإسكان الهاء، والصواب إنه بالتصغير وفي الصحابة شخص آخر يقال له أبو الجهم وهو صاحب الأنبجانية وهو غير هذا لأنه قرشي وهذا أنصاري ويقال بحذف الألف واللام في كل منهما وبإثباتهما، فتح الباري1/442 ، مختصرا
[7] في (المطبوع): ((هامش اللامع)).
[8] قوله: ((مختصرًا)) ليس في (المطبوع).