الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الصلح مع المشركين

          ░7▒ (باب: الصُّلحِ معَ المُشْركين )
          قال الحافظ: أي: حُكمُه أو كَيفِيَّتُه أو جَوازُه، وَسَيَأْتي شرحه وبيانه في كتاب الجزية في (باب: المصالحة والموادعة مع المشركين بالمال وغيره).
          وقال الحافظ هناك: أمَّا أصل المسألة فاختُلف فيه، سُئل الأَوْزاعيُّ عن موادعة إمامِ المسلمين أهلَ الحرب على مال يؤدُّونه(1) إليهم فقال: لا يصلح ذلك إلَّا عن ضرورة كشغل المسلمين عن حربهم، ولا بأس أن يصالحهم على غير شيء يؤدُّونه إليهم كما وقع في الحُدَيبية، وقال الشَّافعيُّ: إذا ضَعُف المسلمون عن قتال المشركين جازت لهم مُهَادَنَتُهم على غير شيء يعطونهم، لأنَّ القتل للمسلمين شهادة، وإنَّ الإسلام أعزُّ مِنْ أن يُعطى المشركون على أن يكُفُّوا عنهم إلَّا في حالة مخافة اصطلام المسلمين لكثرة العدوِّ، وكذلك إذا أُسِر رَجل مسلم، فلم يُطْلَق إلَّا بفديةٍ جازَ. انتهى.
          وقالَ العَينيُّ: بعد ذكر قول الأوزاعيِّ والشَّافعيِّ: وقالَ ابن بطَّالٍ: ولم أجد لمالكٍ وأصحابه ولا الكوفيِّين نصًّا في هذه المسألة، قالَ العَينيُّ: مذهب أصحابنا أنَّ للإمام أن يصالحهم بمال يُؤخذ منهم أو يدفع إليهم إذا كان الصُّلح خيرًا في حقِّ المسلمين لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال:61] والمال الَّذِي يؤخذ منهم بالصُّلح يُصْرَف مصارف الجزية). انتهى.
          وقالَ الموفَّق: تجوز مهادنتهم على غير مال لقصَّة الحديبية، ويجوز ذلك على مال نأخذه منهم، فإنَّها إذا جازت على غير مالٍ فعلى مالٍ أَولى، وأمَّا إن صالحهم على مالٍ نبذله لهم فقد أطلق أحمد القول بالمنع منه وهو مذهب الشَّافعيِّ، لأنَّ فيه صَغارًا للمسلمين، وهذا محمول على غير حال الضَّرورة، فأمَّا إن دعت إليه ضرورة وهو أن يخاف الأسر، فيجوز لأنَّه للأسير فداء نفسه بالمال فكذا هاهنا. انتهى.
          قوله:(عن أبي سفيان) يشير إلى حديث أبي سفيان في شأن هِرَقْلَ، وقد تقدَّم بطوله في أوَّل الكتاب، والغرض منه قوله في أوَّلِه: (إنَّ هِرَقْلَ أرسَل إليه في رَكْب مِنْ قريش في المدَّة الَّتي هَادَن فيها رسولُ الله صلعم كفَّارَ قُرَيش) الحديث، وقوله فيه: (ونحنُ منه في مدَّة لا ندري مَا هُو صَانع فيها). انتهى.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (عن أبي سفيان) والغرض منه هنا الإشارة إلى مدَّة الصُّلح المذكورة في قوله: (ونحن منه في مدَّة) وغير ذلك. انتهى. /


[1] في (المطبوع): ((يؤديه)).