التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن}

          ░42▒ بَابُ (قَوْلِه تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29]).
          يخفض ويرفع ويعزُّ ويذلُّ، واعلمْ أنَّ صِفات الله تعالى إمَّا سلبية وتُسمَّى بالتنزيهات، / وإمَّا وجودية حقيقية كالعلم والقَدرة، وإنَّها قديمة لا محالة، وإمَّا إضافية كالخلق والرِّزق وهي حادثة، ومِن حدوثها لا يلزم تغير في ذات الله وصفاته الَّتي هي بالحقيقة صِفات له، كما أنَّ تعلُّق العلم وتعلُّق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادثة، وكذا كلُّ صفة فعلية له، وإذا تقرَّرت هذه القاعدة فالإنزال مثلًا حادثٌ والمنزل قديم، وتعلُّق القُدرة حادث ونفس القدرة قديمة، والمذكور وهو القرآن قديم والذِّكر حادث.
          وقال شارح التراجم: مقصوده أنَّ حدوث القرآن وإنزاله إنَّما هو بالنِّسبة إلينا، وكذا ما أُحدِث مِن أمر الصَّلاة فإنَّه بالنَّسبة إلى علمنا.
          وزعم بعضهم أنَّ البخاري قصد بهذا موافقة داود. وقال أبو هريرة الظَّاهري: في تجويزه وصف الكلام القديم بأنَّه مُحدَث لا مخلوق، وبيَّن أنَّه ليس المراد بالإحداث ضد القديم، بلْ إنزال علمه على النبي صلعم والخلق لأنَّ علومهم مُحدَثة، ويحتمل أنْ يريد البخاري حمل لفظ المحدَث على معنى الحديث؛ فمعنى قوله: {مِنْ ذِكْرٍ مِنْ (1) رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}[الأنبياء:2] أي متحدَّث به.
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلعم : إِنَّ اللهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ: أَنْ لاَ تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاَةِ) هذا أسندَه في الصَّلاة، وتقدَّم تفسير قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29] مرفوعًا أنَّه يغفرُ ذنبًا ويكشفُ كربًا ويجيبُ داعيًا.
          وقال عمرو بن ميمون: مِن شأنه أن يميت حيًّا ويقرَّ في الأرحام ما يشاء، ويعزَّ ذليلًا ويذلَّ عزيزًا. وقيل: لله تعالى في كلِّ يوم ثلاث عساكر، عسكر يخرج مِن الأصْلاب إلى الأرحام، وعسكر يخرج مِن الأرحام إلى الدنيا، وعسكر يخرج مِن الدُّنيا إلى القبور.


[1] قوله:((من)) ليس في الأصل.