التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله

          ░14▒ (بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ) أي: الأوصاف (وَأَسَامِي اللهِ تعالى)
          قال القاضي: استعمل الفقهاء والمتكلِّمون الذَّات بالألف واللَّام؛ لأنَّها مِن المهمَّات، وأجاز بعض النُّحَاة قولهم: الذَّات، وأنَّها كناية عَن النفس، وحقيقة الشَّيء أو عن الخلق والصِّفات، وأمَّا استعمال البخاري لها فعلى أنَّ المراد بها الشَّيء نفسه على ما استعمله المتكلِّمون في حقِّ الله سبحانه وتعالى، ألا ترى كيف قال: مَا جاء في الذَّات والنُّعوت يريد الصفات، وفرَّق في العبارة بينهما على طريق المتكلِّمين.
          قوله: (وَأَسَامِي اللهِ تعالى) هي جمع أسماء، وأسماء جمع اسم.
          وأسماء الله تعالى أضرب:
          أحدها: يرجع به إلى الذَّات والوجود لا إلى معنى يزيد على ذلك؛ كقولنا: شيءٌ موجود وذاتٌ ونفس.
          ثانيها: إلى إثبات معاني قائمة به تعالى هي صِفات له كقولنا: حيٌّ وقادر وعالم ومريد، فيرجع ذلك إلى حياة وعِلم وقدرة وإرادة؛ لأجلها كان حيًّا قادرًا عالمًا مريدًا.
          ثالثها: يرجع إلى صِفات مِن صفة أفعاله كقولنا: خالقٌ ورازقٌ ومُحيي ومميتٌ، فيرجع بذلك كلُّه إلى خلق ورزق وحياة وموت، وذلك كلُّه فِعله تعالى، فأمَّا إثباتُه (1) شيئًا وذاتًا ونفسًا فطريقه السَّمع، وقد سَمع رسول الله صلعم قول خُبَيْبٌ: (وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ) فلم ينكره، فصار طريق العِلم بنا التَّوقيف مِن الشَّارع، وذاته هي هو.
          ومعنى قوله: (فِي ذَاتِ الإِلَهِ) في دين الإله وطاعته.
          ويجمع هذه الأضرب الثَّلاثة أسماء الله تعالى في الحقيقة سواء كان بها ما يتضمَّن صِفة ترجع إلى ذاته أو إلى فعل مِن أفعاله، فكلُّ صفةٍ اسمٌ لله تعالى وليس كلُّ اسمٍ صفةً.
          ومذهب أهل السُّنَّة أنَّه محال أن يُقال في صفات ذاته أنَّ كلَّ واحدة منها غير الأُخرى، كما استحال القول عندهم بأنَّه غيره تعالى؛ لأنَّ حدَّ الغيرين مَا جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر، ولما لم يجزْ على شيء مِن صفاته عدم أحدهما مع وجود سائرها استحال وصفها بالتغاير كما استحال وصفه بأنَّه غيره؛ لقيام الدليل على استحالة وجوده تعالى مع عدم صِفاته الَّتي هي حياة وعلم وقدرة وإرادة وسمع وإبصار كلام مع البقاء، وليس كذلك صفة أفعاله؛ / فإنَّه يجوز وجود بعضها مع عدم سائرها كالرِّزق.
          وسائر صفات أفعاله التي تتضمَّنها أسماء له أطلقها تعالى على نفسه كرزَّاق وخالق ومُحيي ومميت وبديع، وما شاكل ذلك، فهذِه كلُّها أسماء له تعالى سَمَّى نفسه بها، وتسميته قوله، وقوله ليس غيره كسائر صفاته، ومقتضى هذه الأسماء تتغاير على ما ذكرنا، وقد قام الدَّليل على وجوده في الأزل مع عدم جميع أفعاله.


[1] في الأصل صورتها:((إتيانه)).