التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا}

          ░40▒ بَابُ (قَوْلِه تَعَالَى: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}[البقرة:22]).
          قوله: ({وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:66]) الخطاب له والمراد غَيره، وقد ادُّعِي نسخها بقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} الآية [البقرة:217]، ولذلك اختُلف فيما إذا حجَّ ثمَّ ارتدَّ ثمَّ عاد إلى الإسلام، هل يلزمه الحجُّ ثانيًا لعموم: {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر:65] أو تحرير (1) وإنَّما تُحبَط لو مات كافرًا، وكذلك اختُلف فيما إذا عقد عَلى نفسه يمينًا ثمَّ ارتدَّ ثمَّ أسلم، هل هي منعقدة أمْ بطلت بردته؟.
          قوله: (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف:106]) فإنَّ قيل: الإيمان والشِّرك مجتمعان، إذ الشِّرك هو الكُفر قلتُ: الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به لا يجتمع به، وأمَّا الإيمان بالله فيجتمع بأنْواعه مع الكفر. وقال عكرمة عن ابن عباس: إيمانهم أنَّهم يقولون: الله خالق كلِّ شيء، وكفرهم عبادتهم غيره.
          قوله: (وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ العِبَادِ) هو عَطفٌ على قول الله مُضافًا إليه الباب، والمقصود بيان أفعال العباد بخلق الله تعالى، إذْ لو كانت أفعالهم بخلقهم لكانوا شُركاء لله وأندادًا في الخلق، ولهذا عطف عليه (وَمَا ذُكِرَ).
          وفيه الردَّ على الجَهمية حيث قالوا: لا قدرة للعبد أصلًا. وعلى المعتزلة حيث قالوا: لا دخل لقدرة الله تعالى فيها، إذ المذهب الحقُّ أنَّه لا جبر ولا قدر، ولكن أمر بين أمرين أي بخلق الله تعالى وكسب العبد، وهو قول الأشعرية.
          فإن قلتَ: أفعال العبد لا تخلو إمَّا أن تكون بقدرته أو لا، إذْ لا واسطة بين النَّفي والإثبات، فإنْ كانت بقدرته فهو القَدر الَّذي هو مذهب المعتزلة، وإن لم يكن بقدرته فهو الجبر المحض الَّذي هو مذهب الجهمية. قلتُ: للعبد قدرة فلا جبر وبها يُفرَّق بين النَّازل (2) مِن المنارة والسَّاقط منها، ولكن لا تأثير لها بل الفعل واقع بقدرة الله تعالى، وتأثير قدرته فيه بعد تأثير قدرة العبد عليه، وهذا هو المسمَّى بالكسب.
          فإن قلتَ: القدرة صفة تؤثِّر على وفق الإرادة، فإذا نَفيت التأثير عنها فقد نفيتَ القدرة لانتفاء اللُّزوم عند انتفاء لازمه، فالجواب كما قال الكِرْمَاني: إنَّ هذا التَّعريف غير جامع لخروج / القدرة الحادثة عنه، بل التَّعريف الجامع لها: صِفة يترتب عليها الفعل أو الترك.
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ إِلَّا بِالحَقِّ) هو بالنُّون ونصب الملائكة، فهو استشهاد لكون نزول الملائكة بخلق الله تعالى، وبالتَّاء المفتوحة والرَّفع فهو لكون نزولهم بكسبهم وتمام الآية: {وَمَا كَانُوا (3) إِذًا مُنْظَرِينَ. إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:8-9].
          وفيه أنَّ الله تعالى هو حافظ القرآن، ومحمَّدٍ صلعم مِن شرٍّ الناس، لا هو صلعم .
          قوله: ({وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}[الزمر:33] القُرْآنُ {وَصَدَّقَ بِهِ}[الزمر:33]) المؤمن؛ يقول يوم القيامة هذا الذي أعطيتني عملتُ (4) بما فيه. هذا أحد الأقوال في تفسير هذه الآية.
          والثاني: أنَّ الَّذي جاء بالصِّدق جبريل وصدَّق به النبيُّ صلعم .
          والثالث: أنَّ الذي جاء بالصِّدق محمَّدًا (5) صلعم وصدَّق به المؤمن، وقيل: الصِّدِّيق ☺.


[1] كذا في الأصل.
[2] في الأصل:((النار)).
[3] في الأصل:((كنا)).
[4] في الأصل:(علمت)).
[5] في الأصل:((محمد)).