التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}

          ░16▒ (بَابُ (1) قَوْلِه تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:88])
          قال أبو القاسم القُشَيْرِي: فائدة تخصيص الوجه بالذِّكر هنا أنَّه لا يُعرف وجود وجهه إلَّا بالخير والفعل (2) دون الفعل، فخصَّ الوجه بالذِّكر؛ لأنَّ في بقاء وجهه بقاء الحقِّ بصفاته والله تعالى حيٌّ بحياة سَرمدية مستمرَّة في الأزل والآباد جَلَّت (3) عن مَدد العناصر أو معونة مِن الباطل، والظَّاهر لأنَّه صَمدٌ لا يتطرَّق إليه التَّأثير قيومٌ لا يعتريه التَّغيير.
          قوله (4): قال في «الرَّوض»: الوجه إذا جاء ذكره في الكتاب والسُنَّة ينقسم في الذِّكر إلى موطنين: موطن تقرُّب واسترضاء بعمل كقوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}[الأنعام:52] وكقوله: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى}[الليل:20] فالمطلوب في هَذا الموضع رِضاه وقبوله العمل وإقباله عَلى العبد العامل، وأصله أنَّ مَن رضي عنك أقبل إليك، ومَن سخط (5) عليك أعرض عنك ولم يُرِك وجهه.
          قال: وأفاد قوله صلعم في دعاء الطا (6) (أَعُوذُ بِنُورِ بِوَجْهِكَ) معنى الرِّضا والقبول والإقبال، وليس بصلة في الكلام / كما قال أبو عبيدة لأنَّ قوله ذلك هذا مِن القول (7)، ومعنى الصِّلة عنده أنَّها كلمة لا تفيد إلَّا تأكيدًا للكلام، وكذلك قال هو ومَن قلَّدَه في قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[الرحمن:27] أي: يبقى ربُّك، وفي قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:88] أي: إلَّا إيَّاه. وهذا قول مِن غَلُظ (8) طبعه وبعُد بالعجمة عن فهم (9) البلاغة قلبه؛ فإنَّ ذكر الوجه على هذا القول مدخلًا مِن حكمه، وكيف تخلو كلمة منه عن حكمه وهو الكتاب الحكيم؟! وأيضًا فالمعني بذكر الوجه ما ظَهر إلى القلوب والبصائر مِن أوصاف جلاله ومجدِه.
          والوجه لغةً: ما ظهر مِن الشيء معقولًا كان أو محسوسًا، تقول هذا وجه المسألة ووجه الحديث أي: الظَّاهر إلى رأيك منه وكذلك وجه الثَّوب مَا ظهر إلى بَصرك منه، والبَصائر لا تحيط بأوصاف جلاله، وما يظهر لها مِن ذلك أقلُّ ممَّا يغيب عنها.
          وذهب الأشعري في معنى الوجه إلى مَا ذهب إليه في معنى العين واليد وأنَّها صفات لله سبحانه وتعالى لم تُعلم مِن جهة العقول ولكن مِن جهة الشَّرع المنقول، قال: وهذه عجمة أيضًا فإنَّه نزل بلسان عربي مبين، وليس في لغة العرب أنَّ الوجه صفة ولم يُشْكل على عربيٍّ مؤمن ولا كافر معنى هذه الآي الَّتي احتيج آخر الزَّمان إلى الكلام فيها مع العُجمان؛ لأنَّ المؤمن لم يحسَّ على عليل به (10) شكًّا ولا تشبيهًا فلم يسأل أحدٌ منهم رسول الله صلعم عن معنى هذه الآي، والكافر لم يتعلَّق بها في معْرِض المناقضة والمجادلة كما فعلوا في قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}[الأنبياء:98] ولا قال أحدٌ منهم بزعمه محمَّدًا (11) أنَّ الله لا يشبهه مِن خلقه ثمَّ يثبت (12) له وجهًا ويدين إلى غير ذلك فدلَّ على أنَّهم لم يروا في هذه الآي إشكالًا، وينافوا (13) معانيها عَلى غير التشبيه. انتهى كلامه.


[1] قوله:((باب)) ليس في الأصل.
[2] كذا في الأصل.
[3] في الأصل صورتها:((حلت)).
[4] كذا في الأصل ولعله بدون:((قوله)).
[5] قوله:((سخط)) ليس في الأصل.
[6] كذا في الأصل.
[7] كذا في الأصل.
[8] في الأصل:((غلط)).
[9] في الأصل:((بالعجمة عرفهم)).
[10] كذا في الأصل.
[11] كذا في الأصل.
[12] في الأصل:((يدري)).
[13] كذا في الأصل.