التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}

          ░56▒ بَابُ (قَوْلِه تَعَالَى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:96]).
          إنْ قيل: فيه دلالة على أنَّ بعضه بعملنا حيث أُسند إلينا. فجوابه: أنَّ العمل غير الخلق وهو المسمَّى بالكسب، أي ما يكون مُسندًا إلى العَبد مِن حيث إنَّ له قدرة ومُسندًا إلى الله تعالى مِن حيث إنَّ وجوده بتأثيره، فله جِهتان بإحداهما ينفي الجبر وبالأخرى ينفي القدر، وحاصله أنَّه مستندٌ إلى الله تعالى حقيقةً وإلى العبد عادةً، فإن قلتَ: القدرة صفة توقف على وقف الإرادة فإذا انتفى التأثير فلا يبقى لإثبات القدرة معنى، قلتُ: التَّعريف غير جامع لخروج القدرة الحادثة عنه، بلْ هي صفة يترتب عليها الفعل أو التَّرك عادة، فكلُّ ما أُسند (1) مِن أفعال العباد إلى الله تعالى فهو بالنَّظر إلى التَّأثير، ويُقال له :الخلق، وما أُسند إلى قدرة العباد يُقال له: الكسب، وقد يعبَّر عنه بعضهم بأنَّ الإضافة إلى الله باعتبار الفاعلية وإلى العبد باعتبار المحليَّة.
          قوله: ({إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]) تقديرُه خلقنا كلَّ شيء بقدرٍ، فيلزم منه أن يكون الله خالق كلِّ شيء.
          قوله: (وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) هذا لفظ الحديث، لكنَّ البخاري أظهر مرجع الضَّمير إذ زاد في الحديث لفظ: (لهم) وإنَّما أَسندَ الخلق إليهم على سبيل الاستهزاء بهم والتعجيز لهم وإلَّا فكلُّ الأشياء مخلوقة لله تعالى.
          قوله: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ) أي سفيان (بَيَّنَ اللهُ الخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ) أي فرقٌ بينهما حيث عطف أحدهما على الآخر لِقَوْلِهِ: {أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:54] وكيف لا والأمر قديم والخلق حادث.
          وفيه أنْ لا خلق لغير الله تعالى حيث حُصِر على ذاته بتقديم الخبر عَلى المبتدأ.
          قوله: (وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ لِلنَّبِيِّ صلعم) وهم ربيعة (مُرْنَا بِجُمَلٍ) أي بأمور كليَّة مجملة.
          قوله: (فَأَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ) أي بتصديق الرَّسول بما علم مجيئه به ضرورة (وَبالشَّهَادَةِ) أي كلمة التوحيد.


[1] في الأصل:((أسنده)).