التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: هاجر إبراهيم بسارة فدخل بها قريةً فيها ملك من الملوك

          2217- قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه الحَكَمُ بنُ نافع، وتقدَّم مُتَرجَمًا [خ¦7]، وكذا تقدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابنُ أبي حمزة، وكذا تقدَّم (أَبُو الزِّنَادِ)؛ بالنُّون، وأنَّه عبدُ الله بن ذكوان، وكذا تقدَّم (الأَعْرَجِ): أنَّه عبدُ الرَّحمن بن هُرْمُز، وكذا (أَبُو هُرَيْرَة): أنَّه عبدُ الرَّحمن بن صخرٍ، على الأصحِّ.
          قوله: (هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ): أمَّا (إبراهيم)؛ فسيأتي الكلام عليه في (الأنبياء) [خ¦60/8-5152]، وأمَّا (سارَّة)؛ فقيل: إنَّها بتشديد الرَّاء، كذا رأيتُ بعضَهم قاله، وسمعتُ أنا النَّاس ينطقون بها مخفَّفةً، ورأيتُ بعضَ مَن لا تُحَيقيق(1) عنده يكتب في الطِّباق عن ابنته: سارَّة، جعلها الله للعيون قارَّة.
          قال شيخُنا: (وهي سارة بنت توبيل بن ناحور، وقيل: بنت هاران بن ناحور، وقيل: بنت هاران(2) بن تارح(3)، وهي بنتُ أخيه على هذا وأختُ لوط، قاله القتبيُّ في «المعارف»، والنَّقَّاش في «تفسيره»، وذلك أنَّ نكاح بنت الأخ كان حلالًا إذ ذاك، ثمَّ ناقض(4) النَّقَّاش(5) ذلك في تفسير قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى:13]: أنَّه يدلُّ على تحريم بنت الأخ على لسان نوح، قال السُّهيليُّ: وهذا هو الحقُّ، وإنَّما توهَّموا أنَّها بنت أخيه؛ لأنَّ هاران(6) أخوه، وهو هاران(7) الأصغر، وكانت بنت هاران الأكبر، وهو عمُّه).
          قوله: (فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً): قال السُّهيليُّ في «روضه»: (قال ابن قتيبة: إنَّ القرية الأردنُّ)، وسيأتي بعيده أنَّها غيرها.
          قوله: (مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبابرَةِ): قال السُّهيليُّ: (قال ابن قتيبة: إنَّ القرية: الأردنُّ، والمَلِك: صادوف)، قال: (وكانت هاجر لملك من ملوك القبط، وعند الطَّبريِّ: كانت امرأةَ مَلِك من ملوك مصر، وقيل: إنَّ الملك اسمه سنان بن علوان)، وذكر عبد الملك بن هشام في «التِّيجان»: (أنَّ إبراهيم خرج من مدين إلى مصر، وكان معه من المؤمنين ثلاثُ مئة وعشرون رجلًا، ومصرُ ملكُها عمرُو بن امرئ القيس بن بَابلْيُون بن سبأ(8)، وكان خالَّ إبراهيم ◙(9) لشدَّة إعجابه به، فوشى به حنَّاط كان إبراهيم يمتار منه، فأمر بإدخال إبراهيم وسارة عليه، ثمَّ نحَّى إبراهيم وقام إلى سارة، فلمَّا صار إبراهيم خارج القصر؛ جعله الله كالقارورة الصَّافية، فرأى الملكَ وسارةَ وسمع كلامَهما، فهمَّ عمرٌو بسارةَ...) إلى قوله: (فأمر لها بهاجر).
          فتحصَّلنا على قولين في القرية؛ هل هي الأردنُّ _والأردنُّ بيسان وطبريَّة وما حولهما_ أو مصر؟ وعلى ثلاثة أقوال في اسم الملِك: صادوف، أو سنان بن علوان، أو عمرو بن امرئ القيس بن بابليون.
          قوله: (قَالَ: أُخْتِي): قال شيخنا: (قال ابن الجوزيِّ: على هذا الحديث إشكال ما زال يختلج في صدري؛ وهو أن يقال: ما معنى توريته ◙ عن الزوجة بالأخت، ومعلوم أنَّ ذِكرَها بالزوجيَّة أَسلَمُ لها؛ لأنَّه إذا قال: هذه أختي؛ قال: زوِّجنيها، وإذا قال: امرأتي؛ سكت، هذا إن كان الملِك يعمل بالشَّرع، فأمَّا إذا كان كما وُصِف من جَوره؛ فما يبالي كانت زوجة أو أختًا، إلى أن وقع لي أنَّ القوم كانوا على دين المجوس، وفي دينهم أنَّ الأخت إذا كانت زوجة؛ كان أخوها _الذي هو زوجها_ أحقَّ بها من غيره، وكأنَّ إبراهيم أراد أن يستعصم من الجبَّار بذكر الشَّرع الذي يستعمله؛ فإذا جبَّارٌ لا يراعي جانب دينه، واعتُرِض عليه بأنَّ الذي جاء بدين المجوس زرادُشت، وهو متأخِّر عن إبراهيم، وأجيب: بأنَّ لمذهبهم أصلًا قديمًا ادَّعاه زرادُشت وزاد عليه خُرافاتٍ أُخَر...) إلى آخر كلامه.
          وقال شيخنا في (كِتَاب الأنبياء): (وقوله للجبَّار المجوسيِّ: «أختي»؛ لأنَّ مِن مذهبهم أنَّ الأخت إذا كانت زوجةً؛ كان(10) أخوها _الذي هو زوجها_ أحقَّ بها من غيره، وقيل: كان من مذهب الجبَّار أنَّ من له زوجة؛ لا يجوز أن تتزوَّج إلَّا أن يُقتَل الزوج، فاتَّقاه إبراهيم بهذا القول)، انتهى.
          قوله: (إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَُكِ): (إِنْ): بكسر الهمزة، وإسكان النُّون، وهي نافية؛ أي: ما، و(غيرُك)؛ بالرَّفع، والنَّصبُ جائز، والظَّاهر أنَّ المراد بـ(الأرض): أرض مصر؛ أي: هذه الأرض، وليس المراد(11) جميعَ الأرض، ولوط معاصره وابن أخيه _بالمثنَّاة تحت_ وقد ذكروا أنَّ إبراهيم ولوطًا وسارة مضَوا إلى الشَّام، ثمَّ مضَوا إلى مصر، ثمَّ عادوا إلى الشَّام، فنزل إبراهيمُ فلسطينَ، ونزل لوط الأردنَّ، وإذا كان كذلك؛ فلعلَّ لوطًا لم يكن معهما في تلك البقعة إنْ كانت قصَّة الجبَّار بمصر، وكذا لم يكن معه الثلاث المئة(12) والعشرون رجلًا المؤمنون بها، وكذا إنْ كانت القصَّة بالأردنِّ، والله أعلم ما كان، وأخذُ الأرض على العموم محلُّ نظرٍ.
          قوله: (فَقَامَتْ تَوَضَّأُ): هو محذوف إحدى التَّاءين؛ أي: تتوضَّأ، مرفوع؛ لأنَّه لم يتقدَّمه ناصب ولا جازم، وهذا يدلُّ على أنَّ الوضوء قديم، وللنَّاس فيه خلاف، هل هو من خصائص هذه الأمَّة أم لا؟ قدَّمته في (كِتَاب الوضوء) [خ¦136].
          قوله: (فَغُطَّ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، وهو بضمِّ الغين المعجمة، وتشديد الطَّاء المهملة، والغَطُّ: الغمُّ؛ وهو حبس النَّفَس مرَّة، وإمساك اليد والثوب على الفم والأنف والحلق، يقال: غتَّه يغُتُّه(13)، لغة، وقد تقدَّمت في حديث: «فغطَّني» في أوَّل هذا التعليق [خ¦3]، وقال شيخنا في (الإكراه) عن الدَّاوديِّ: (قال: ورويناه(14) بالمهملة، وهو حكاية صوت)، ذكره بأطولَ من هذا، أنا اختصرته.
          تنبيه: وقع في «مسلم» في (المناقب): (فلمَّا دخلَتْ عليه؛ لم يتمالك أن بسط يده، فقُبِضَتْ يده قبضةً شديدةً...) إلى آخره، ففيه أنَّ يده ثبتت عن أخذها ثلاث مرَّات، وهنا غطَّ، والظَّاهر أنَّ الله فعل به الشَّيئين(15) يَبِست يده وغُطَّ، والله أعلم، جمعًا بين الرِّوايتين.
          قوله: (إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتِ: اللَّهُمَّ...) إلى آخره: ظاهرُ هذا: أنَّ هذا موقوفٌ [على أبي هريرة، فيكون أبو الزِّناد عبدُ الله بن ذكوان روى القطعةَ الأولى مسندةً إلى النَّبيِّ صلعم، وهذه موقوفةً على أبي هريرة](16)، ولكنَّها مرفوعةٌ في المعنى؛ إذ مثل هذا لا يقال من قِبَل الرَّأْيِ(17)، والله أعلم.
          قوله: (أَرْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ): كذا في أصلنا بقطع الهمزة، وهذه لغة، والأفصح أن تكون همزة وصل، فإنِ(18) ابتدأت بها؛ كسرتها؛ لأنَّه يقال: (رجع)(19) مُتعدِّيًا، قال الله تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ}[التوبة:83]، و {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ}[سبأ:31]، فما في الأصل على لغة، والأفصح خلافها.
          قوله: (وَأَعْطُوهَا آجَرَ): هو بمدِّ الهمزة، ويقال: هاجر؛ بالبدل.
          تنبيهٌ: اعلم أنَّ هاجرَ أوَّلُ امرأةٍ ثقبَت آذانَها، وأوَّلُ مَن خُفِض من النساء؛ كما أنَّ سيِّدَها أوَّلُ مَنِ اختتن من الرِّجال، وآجَرُ أوَّلُ مَن جرَّت ذيلَها، وذلك أنَّ سارةَ _فيما نقله السُّهيليُّ في أوائل «روضه»_ غضبت عليها فحلفت أن تقطع ثلاثةَ أعضاء من أعضائها، فأمرها إبراهيمُ أن تبرَّ قسمَها بثقب(20) آذانِها وخفاضِها، فصارت سُنَّةً في النساء، قال: (وممَّن ذكر هذا الخبرَ ابنُ أبي زيد في «نوادره»)، انتهى، وسأذكره أيضًا في (كِتَاب الأنبياء) إنْ شاء الله تعالى [خ¦3363].
          قوله: (كَبَتَ الْكَافِرَ): (كبت): الكَبْتُ: الصَّرف والإذلال، يقال: كَبَتَ اللهُ العدوَّ؛ أي: صرفه وأذلَّه، وكَبَتَه لوجهه: صرعه.
          قوله: (وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً): الوَليدة: الصَّبيَّة والأمة، والجمع: الوَلائد.


[1] في (ب): (يختص)، وهو تحريفٌ.
[2] في (ب): (هازان).
[3] في (ب): (تارخ).
[4] في (ب): (ما نص)، وهوتحريفٌ.
[5] زيد في (ج): (في).
[6] في (ب) و(ج): (أباران)، ولعلَّه تحريفٌ.
[7] في (ب): (هازان)، وفي (ج): (هارون)، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[8] في (ب): (سنا)، وهو تصحيفٌ.
[9] في (ب): (╕).
[10] في (ب): (كانت)، وليس بصحيحٍ.
[11] (المراد): ليس في (ب).
[12] في (ب) و(ج): (مئة).
[13] في (ب) و(ج): (بغتة)، ولعلَّه تصحيفٌ.
[14] في (ج): (الداودي: وقد رويناه).
[15] في (أ) و(ب): (الشيئان)، ولا يصحُّ.
[16] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (من قِبَل الرأي).
[17] في (ب): (الراوي)، وهو تحريفٌ.
[18] في (ب): (قال)، وهو تحريفٌ.
[19] في (ج): (أرجع).
[20] في (ب): (فثقبت).