التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا

          قوله: (وَيُذْكَرُ عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ صلعم...)، فذكره: (العَدَّاء): بفتح العين وتشديد الدَّال المهملتين، وهمزة ممدودة في آخره، وهو العَدَّاء بن خالد بن هَوْذَة العامريُّ، من بني عامر بن صَعْصَعة، أسلم بعد حنين، وعنه: عبدُ المجيد بن وَهْبٍ، وأبو رجاء العُطَارديُّ، وعبدُ الكريم العُقيليُّ، وغيرُهم، قال عبدُ المجيد: دخلنا عليه زمنَ يزيدَ بنِ المهلَّب، علَّق له البخاريُّ كما ترى، وأخرج له الأربعةُ، وأحمدُ في «المسند». /
          قال الحافظُ شرفُ الدين عبدُ المؤمن بن خلف الدِّمياطيُّ: (حديث العَدَّاء بن خالد بن هَوْذة العامريُّ _أسلم هو وأبوه وعمُّه_ رواه التِّرمذيُّ وابنُ ماجه بإسنادهما إلى عبدِ الحَمِيد _كذا بخطِّ الدِّمياطيِّ، وصوابُه: المجيد_ ابن وَهْب قال: قال لي العَدَّاء بن خالد: ألَا أقرئك كتابًا كتبه لي رسولُ الله صلعم؟ قال: قلت: بلى، فأخرج إليَّ كتابًا: «هذا ما اشترى العَدَّاءُ بنُ خالد بن هَوْذة من مُحَمَّدٍ رسولِ الله، اشترى منه عبدًا أو أمَةً لا داءَ، ولا غائلةَ، ولا خِبْثَةَ، بيع المسلم المسلم»، وهذا أشبهُ من لفظ البخاريِّ في قوله: «اشترى مُحَمَّدٌ رسول الله»؛ لأنَّ العهدة إنَّما تُكتَب للمشتري، لا للبائع، وكذلك رواه جماعةٌ كرواية التِّرمذيِّ، وهو الصَّحيح)، انتهى، وكذا أخرجه النَّسائيُّ في (الشروط)، وقال التِّرمذيُّ: (حسن غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث عبَّاد)؛ يعني: عبَّاد بن ليث صاحب الكرابيس(1)، وقد ذكر ابنُ عبد البَرِّ العَدَّاءَ، ولم يذكر إلَّا أنَّه اشترى من رسول الله صلعم غلامًا، وكتب له عُهدةً، قال: (وهي عند أهل الحديث محفوظةٌ)، ولم يذكر ما وقع في «البخاريِّ» قطعًا، غير أنَّه شكَّ بعضُ الرواة هل هو عبدٌ أو أمَةٌ، وقد جزم أبو عُمر أوَّلًا بأنَّه غُلامٌ.
          قوله: (لَا دَاءَ): الدَّاء؛ بفتح الدَّال وبالمدِّ: العيب كلُّه.
          قوله: (وَلَا خِبْثَةَ): هي بكسر الخاء المعجمة، ثمَّ موحَّدة ساكنة، ثمَّ ثاء مثلَّثة مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث، وهو ما كان عن غير طيِّب الكسب والأصلِ، وكلُّ حرامٍ خبيثٌ، قال تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ}[الأعراف:157]، وقيل: الخِبْثة: بيع أهل العهد، وقيل: هي ههنا الرِّيبَة من الفجور، وقال شيخنا في (الحيل) عن ابن التِّين: (أنَّه حُكِيَ الضَّمُّ)؛ يعني: في خاء (خِبثة).
          قوله: (وَلَا غَائِلَةَ): هو بالغين المعجمة، وقد فسَّره قتادة _هو ابن دِعامة الإمام_ في الأصل: بـ(الزِّنَى)، وفي «المطالع»: («ولا غائلة»؛ أي: لا خديعة ولا حيلة، وقال الخطَّابيُّ: «الغائلة في البيع: كلُّ ما أدَّى إلى تلف الحقِّ»، وذكره بعضهم في ذوات الواو، وفسَّره قتادة: بـ«الزِّنَى وَالسَّرِقَة، والإِبَاق»، والأشبه عندي أن يكون هذا التفسير راجعًا إلى الخبثة والغائلة جميعًا)، انتهى.
          قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ): الظَّاهر أنَّه إبراهيمُ بنُ يزيدَ النَّخَعيُّ، وقد تقدَّم.
          قوله: (إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ): هو جمع (نَخَّاس)؛ بفتح النُّون، وتشديد الخاء المعجمة، وفي آخره سين مهملة، والنَخَّاس: دلَّال الدَّوابِّ، يقال: نخَسه بعود، ينخُسه وينخِسه؛ بضمِّ الخاء وكسرها، ومنه سُمِّي النَّخَّاس.
          قوله: (يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ): قال الدِّمياطيُّ: («آريَّ»: هو مربط الدَّابة، وقيل: معْلَفُها، قاله الخليل، وقال الأصمعيُّ: هو حبل يُدفَن في الأرض ويُبرَز طرفُه، تُشَدُّ به الدَّابَّة، وأصله: من الحبس والإقامة، من قولهم: تأرَّى الرجل بالمكان؛ إذا أقام به؛ والمعنى: أنَّ بعض النَّخَّاسين يسمِّي موضع الدَّابَّة ومَربَطها في الدار: خراسان وسَجِستان، فيقولون: جاء من خراسان وسجستان؛ يعنون: مَرابطها فيحرِّضون عليها(2) المشتري، ويظنُّها طريَّة الجلب، قال عياض: وأظنُّ أنَّه نقص من الأصل بعد «آريَّ» لفظة: «دوابِّهم»؛ أي: يُسَمِّي آريَّ دوابِّهم خراسان)، انتهى، وفي «المطالع»: («آرِيَّ خراسانَ»: كذا قيَّده جلُّ الرواة، ووقع للمروزيِّ: «أَرَى»؛ بفتح الهمزة والرَّاء، على مثال: «دَعَا»، وليس بشيء، ووقع لأبي ذرٍّ: بضمِّ الهمزة، وهو أيضًا تصحيف)، ثمَّ ذكر نحو ما ذكره الدِّمياطيُّ، وابن قرقول والدِّمياطيُّ أخذاه من القاضي عياض، والله أعلم.
          وقوله: (خراسان): هو الإقليم المعروف موطن الكثير أو الأكثر من علماء المسلمين ♥، قال أبو الفتح الهمذانيُّ: ويقال له أيضًا: خُرْسان؛ بحذف الألف، وسكون الرَّاء.
          وأمَّا (سَـِجِسْتَانَ): (اسمها زَرَنْج، وسجسْتان اسم لتلك الدِّيار، فلمَّا كانت زَرَنْجُ قصبةَ ذلك الإقليم ودارَ مملكتها؛ غلب عليها الاسم، وهي خلف كرمان مسيرة مئة فرسخ، منها أربعون فرسخًا مفازة، ليس بها ماء، وهي التي بناحية الهند على حدِّ غَزْنَة، وكرمان: اسم لتلك البلاد...) إلى آخر كلام عبد القادر الرُّهاويِّ، وقال أبو بكر الحازميُّ في «المؤتلِف والمختلِف في الأماكن»: (سِجْز؛ بالسِّين المهملة، وبالجيم الساكنة، وآخره زاي: اسم لسِجستان، ويقال في النِّسبة: سِجْزيٌّ)، انتهى.
          وسَجِستان(3): بفتح السِّين، وفي «الذيل والصِّلة» للصغانيِّ: (سِجستان: بلد، وهو معرَّب سِيستان)، وسين (سِجستان) و(سِيستان) مكسورة بالقلم، وهذه النسخة التي نقلت عمدة، وكأنَّها كانت ملك الصغانيِّ؛ لأنَّ عليها في هوامشها تخاريجَ كثيرةً، وغالبها بخطِّه، والله أعلم.
          ورأيت في حاشية على نسخة «علوم ابن الصَّلاح» _وقد قُرِئَت النسخةُ عليه مرَّتين_ لفظها: (السِّين والجيم مفتوحتان معًا، ومكسوران معًا ضبطناها عن الشَّيخ)، انتهى، يعني: عن(4) ابن الصلاح(5)، وفي «تهذيب الأسماء واللُّغات» للنَّوويِّ: (بفتح السِّين وكسرها، الكسر أشهر، والجيم مكسورة فيهما)، انتهى، وهذا الذي أحفظه أنا.
          قوله: (فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً): أي: حرَّمه تحريمًا شديدًا؛ لأنَّ الكراهة في لسان الأقدمين عبارة عن الحرام، وهو دليل القرآن، قوله: {كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}[الإسراء:38]، و(كراهيَة): تقدَّم مرَّات أنَّها بتخفيف الياء، ويقال من حيث اللُّغة: كراهي [خ¦417].
          قوله: (وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ): هذا هو الصحابيُّ الجُهَنيُّ، وهو صحابيٌّ كبيرٌ شريفٌ، فصيحٌ مُقْرِئ، فَرَضيٌّ شاعرٌ، وُلِّيَ غزو البحر، وعنه: عُليُّ بن رَبَاح، وأبو عُشَّانة، وخلقٌ، تُوفِّيَ بمِصْرَ _وقد زرتُ قبرَه بالقرافة_ سنة ░58هـ▒، أخرج له الجماعةُ، ☺.


[1] في (ج): (الكرابيسي).
[2] في (أ)، و(ب): (على)، والمثبت من حاشية الدمياطي في هامش (ق).
[3] في (ج): (وسجستاني).
[4] (عن): ليس في (ب).
[5] زيد في (ب): (انتهى).