التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما ذكر في الأسواق

          (بَابُ مَا ذُكِرَ(1) فِي الأَسْوَاقِ)... إلى (بَاب بَيْعِ المُلَامَسَة)
          قال ابن المُنَيِّر بعد أن سرد ما في الباب: (إنَّما أراد بذِكرِ الأسواقِ إباحةَ المتاجر، ودخول السُّوق، والشراء منه للعلماء والفضلاء، وكأنَّه لم يصحَّ عنده الحديث الذي رُوِي: «شرُّ البقاع الأسواق، وخيرها المساجد»، وهذا خرج على الأغلب؛ لأنَّ المساجد يُذكَر فيها اسم الله، والأسواق قد غلب على أهلها اللَّغط، واللَّهو، والاشتغال بجمع المال، والكبُّ على الدُّنيا من الوجه المباح وغيره، وإنَّه إذا ذُكِر الله في السوق؛ فهو من أفضل الأعمال، روى مُحَمَّد بن واسع أنَّه قال: سمعت سالم بن عبد الله [يحدِّث عن أبيه، عن جدِّه، عن النَّبيِّ صلعم] يقول: «مَن دخل السوق، فقال: لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلِّ شيء قدير؛ كُتِبتْ له ألف ألف حسنة، ومُحيَ عنه ألف ألف سيِّئة، وبُنِي له بيتٌ في الجنَّة»، وكذلك إذا لغا في المسجد، أو لغط فيه، أو عصى ربَّه؛ لم يَضُرَّ المسجدَ، ولا نقص فضله، وإنَّما أضرَّ نفسه، وبالغ في إثمه، وقد رُوِي عن عليِّ بن أبي طالب ☺ قال: «من عصى الله في المسجد، فكأنما عصى الله في الجنَّة، ومن عصاه في الحمَّام، فكأنَّما عصاه في النار، ومن عصاه في المقبرة، فكأنَّما عصاه في عرصات القيامة، ومن عصاه في البحر، فكأنَّما عصاه على أكفِّ الملائكة»، وذهب المُهلَّب في حديث عائشة ♦ _يعني: «يغزو جيش الكعبة»_ إلى أنَّ مَن كثَّر سواد العصاة، لَزِمَتْه العقوبةُ معهم، وإنَّ مالكًا استنبط من الحديث: معاقبة جليس شارب الخمر وإن لم يشرب، وهذا عندي مردودٌ، فإنَّ العقوبة في الحديث هي المِحْنَة السَّماويَّة، والمِحَنُ السَّماويَّاتُ لا تُقاس بها العقوبات الشَّرعيَّة، ولهذا قال صلعم: «ويُبعَثون على نيَّاتهم»، دلَّ على أنَّ المُقاتِلة(2) عوقبوا، والسُّوقة امتُحنوا معهم في الدُّنيا خاصَّة، ثمَّ وراء ذلك نظر في مصاحبة أهل الفتنة للتِّجارة معهم؛ هل هي من قبيل إعانتهم على ما هم عليه؟ ويقال: إنَّ ضرورة الوجود تُوجِب معاملتهم، وكلٌّ يعمل على شاكلته، والمُفتِن يبوء بإثمه، وهذا ظاهر الحديث)، انتهى.
          فقوله في حديث الذِّكر في السوق؛ فقد رواه التِّرمذيُّ وابن ماجه من حديث سالم بن عبد الله ابن عمر، عن أبيه، عن جدِّه، قال التِّرمذيُّ: (غريب)، أخرجه في (الدعوات)، وأخرجه ابن ماجه في (التجارات)، ولفظ التِّرمذيِّ: (لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو حيٌّ لا يموت بيده الخير، وهوعلى كلِّ شيء قدير).
          وأمَّا حديث: «شرُّ البقاع الأسواق»؛ فرواه مسلم، ولفظه من حديث أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلعم قال: «أحبُّ البلاد إلى الله ╡ مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها»، وأمَّا أبو نعيم؛ فقد أخرج هذه القطعة منه مع قوله: «وشرُّ أهلها أوَّلهم دخولًا، وآخرهم خروجًا» في كِتَاب «حرمة المساجد» من حديث ابن عبَّاس: «أبغض البقاع إلى الله الأسواق، وأبغض أهلها إلى الله أوَّلهم دخولًا، وآخرهم خروجًا».
          وأمَّا حديث: (سُئِل رسول الله صلعم عن خير البقاع وشرِّها؛ فقال: «لا أدري» حتَّى نزل جبريل...)، الحديث، رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزَّارُ والحاكمُ _وصحَّح إسناده_ والطَّبرانيُّ من حديث جبير بن مطعم، ولابن حِبَّان والحاكم نحوه من حديث ابن عمر.
          وفي «صحيح مسلم» من قول سلمان ☺ في مناقب أمِّ سلمة زوج النَّبيِّ صلعم: (لا تكوننَّ إن استطعتَ أوَّل مَن يدخل السوق، ولا آخر مَن يخرج منها، فإنَّ بها معركة الشَّيطان، وبها ينصب رايته)، قال المحبُّ الطَّبريُّ في هذا الموقوف على سلمان: (أخرجه البزَّار هكذا مرفوعًا، وأخرجه مسلم موقوفًا(3) على سلمان)، انتهى، وقال النَّوويُّ في «رياضه» عَقِبَ الموقوف على سلمان: (رواه البرقانيُّ في «صحيحه» عن سلمان: قال رسول الله صلعم: «لا تكن أوَّل مَن يدخل السوق، ولا آخر مَن يخرج منها فبها باض الشيطان وفرَّخ»)، انتهى.
          [قوله: (سُوقُ بَنِي قَيْـنُـَـِقَاع): تقدَّم أنَّ نونه مثلَّثة، وأنَّه يُصرَف ولا يُصرَف](4) [خ¦2048].
          قوله: (الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ): تقدَّم الكلام عليه، وأنَّه الخروج إلى التِّجارة [خ¦118] [خ¦2062].


[1] في (ج): (يكره).
[2] في (ب) و(ج): (المقابلة)، وهو تصحيفٌ.
[3] (وأخرجه مسلم موقوفًا): سقط من (ب).
[4] ما بين معقوفين سقط من (ب).