التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة: يا رب

          7449- قوله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّ هذا عمُّه، وهو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيُّ، و(الأَعْرَجُ): تَقَدَّمَ أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز مرارًا.
          قوله: (وَسَقَطُهُمْ): (السَّقَط): الرديء من كلِّ شيء، وما لا يُعتَدُّ به.
          قوله: (يُنْشِئُ): هو بهمزةٍ في آخره، وهذا ظاهِرٌ جدًا، ومعناه: يبتدئ.
          قوله: (وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ): هذا إنَّما هو في الجنَّة على الصواب، لا في النار، وهو في النار قَلْبٌ، قال الإمام الحافظ شمس الدين ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة في أوَّل كتاب «الهَدْي» في (فصل: ثُمَّ يكبِّرُ ويخِرُّ ساجدًا) ما لفظه: (وكان يقع لي أنَّ حديث أبي هريرة _يعني: «إذا سجد أحدكم؛ فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه»_ ممَّا انقلب على بعض الرواة متنُه، ولعلَّه: «وليضع ركبتيه قبل يديه»؛ كما انقلب على بعضهم حديثُ عائشة: «إنَّ بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذَّن ابنُ أمِّ مكتوم»، فقال: «إنَّ ابن أمِّ مكتوم يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذَّن بلال»، وكما انقلب على بعضهم حديثُ: «لا يزال يُلقَى في النَّار وتقول: هل من مزيد...»، إلى أن قال: «وأمَّا الجنَّة؛ فيُنْشِئُ الله لها خلقًا، فيسكنهم إيَّاها»، فقال: «وأمَّا النار؛ فيُنْشِئُ الله لها خلقًا يسكنهم إيَّاها»)، انتهى، وقد نقل ذلك في (الجمعة) من «الهدْي» عن كلام أبي العَبَّاس ابن تيمية؛ أعني: هذا المكان في النار فقط، ثُمَّ ضمَّ إليه من كلام غيره، وقد ذكر أيضًا هذا المكانَ أيضًا في «حادي الأرواح»، وقال: (إنَّه غلطٌ من بعض الرواة انقلب عليه لفظه(1)، والرواياتُ الصحيحةُ ونصُّ القرآن يردُّه، فإنَّ الله أخبر أنَّه يملأ جهنَّم من إبليس وأتباعِه، وأنَّه لا يعذِّب إلَّا مَن قامت عليه حُجَّتُه، وكذَّب رسلَه، قال تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا}... إلى قوله: {مَا نَزَّلَ اللهُ مِن شَيْءٍ}[الملك:8-9]، و«لا يظلمُ اللهُ من خلقه أحدًا»)، انتهى، لكن لا أدري القلبَ في هذا الحديث ممَّن هو مِن رواته؟ وكلُّهم ثقاتٌ، والثقةُ قد يغلط.
          وسُئِل عن هذا المكان بعينه في جملة أسئلةٍ شيخُنا الحافظُ العلَّامةُ شيخُ مذهب الشَّافِعيِّ أبو حفص عمرُ بن رسلان بن نصير البُلْقينيُّ بحلبَ بحضوري، فبادرت أنا وقلتُ ما قاله ابن القَيِّمِ، فلم يرتَضِه شيخُنا، ثُمَّ كتب على السؤال مع أسئلةٍ غيرِه أجوبةً لا أستحضر ما قال الآن، ثُمَّ إنِّي رأيتُ بخطِّه حاشيةً على «صحيح البُخاريِّ» في هذا المكان لفظُها: (فائدة: قوله: «وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَن يَشَاءُ»، هذه روايةٌ لا تُعرَف، وإنَّما الذي يُنشِئه للجنَّة، وكأنَّ حملَ ذلك على إنشاء أحجارٍ ونحوِها ممَّا لا يتأثَّر بالنَّار، فأمَّا خَلْقٌ لهم أرواحٌ ويتألَّمون بالعذاب؛ فهذا لم يجِئ في روايةٍ من الروايات، والذي جاء ممَّا يناسب ذلك في النَّار هو(2) قوله: «لا يظلم من خلقه أحدًا»)، انتهى.
          وقال شيخنا الشارح في «شرح هذا الكتاب»: («ويُنشِئ للنَّارِ خَلْقًا»: يريد: مَن قدَّمنا أن يُلقى فيها ممَّن سبق له الشقاء ممَّن عصاه أو كفر، قاله المُهَلَّب، وقال غيرُه: يُنْشِئُ الله لها خلقًا لم يكن في الدنيا، قال: وفيه حُجَّةٌ لأهل السُّنَّة في قولهم: «إنَّ لله تعالى أن يُعَذِّب مَن يشاء» على مَن يقول: «إنَّ الله تعالى لو عذَّب مَن لم يكلِّفه؛ لكان(3) ظالمًا»، حاشاه، وهذا الحديثُ حجَّةٌ عليهم، قال أبو الحسن: لا أعلم في شيء من الأحاديثِ «أنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ» إلَّا في هذا الحديث، والمعروفُ أنَّه للجنَّة، ويضع قدَمَه في جهنَّم)، انتهى، والله أعلم.
          قوله: (فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟): اختُلِف في قول جهنَّم: (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟) فقيل: هو سؤالٌ للزيادة، وهو معنى الحديث، وقيل: إنَّما تقول: هل فيَّ مزيدٌ؟ وقد تَقَدَّمَ.
          قوله: (حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ): تَقَدَّمَ القول فيه في (سورة ق) [خ¦4848].
          قوله: (فَتَمْتَلِئُ): هو بهمزة في آخره، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ): (يُرَدُّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(بعضُها): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.
          قوله: (قَطْ قَطْ قَطْ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وعلى ما فيه من اللُّغَات، ومعناه، في (سورة ق) [خ¦4848].


[1] في (أ): (ولفظه)، والمثبت من مصدره.
[2] في (أ): (وهو).
[3] في (أ) تبعًا لمصدره: (لم يكن)، والمثبت موافق لما في نسخة من المصدر.