التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من لم يتشهد في سجدتي السهو

          ░4▒ بابُ مَن لم يَتَشهَّدْ في سَجْدَتَي السَّهْوِ.
          (وَسَلَّمَ أَنَسٌ، وَالحَسَنُ وَلَمْ يَتَشَهَّدَا وَقَالَ قَتَادة: لاَ يَتَشَهَّدُ).
          1228- وذَكَر فيه حديث أبي هُرَيرةَ في قِصَّة ذي اليدين. ثمَّ ذكر: (عَن حمَّادٍ، عن سَلَمة بنِ عَلْقَمَةَ: قُلْتُ لِمحمَّدٍ: فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ تَشَهُّدٌ؟ قَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرةَ).
          الشرح: حديث أبي هُرَيرةَ سلف في باب: هل يأخذ الإمام إذا شكَّ بقول النَّاس. وباب: تشبيك الأصابع في المسجد.
          وأما أثر أنسٍ والحسن فأخرجهما ابن أبي شَيْبَةَ، عن ابن مَهِديٍّ، عن حمَّاد بن سَلَمة عن قَتَادةَ عن الحسن وأنسٍ: أنَّهما سجدا سجدتي السهو بعد السلام ثمَّ قاما ولم يسلِّما.
          قال: وحدَّثنا ابن عُلَيَّة عن عبد العزيز بن صُهَيبٍ أنَّ أنس بن مالكٍ قعد في الركعة الثانية فسبُّحوا به، فقام وأتَمَّهُنَّ أربعًا، فلمَّا سلَّم سجد سجدتين، ثمَّ أقبل على القوم بوجهه وقال: افعلوا هكذا.
          ونقل ابنُ قُدَامةَ وابن بطَّالٍ وابن عبد البرِّ وغيرهم، عن أنسٍ والحسن وعطاءٍ: ليس فيهما تشهُّدٌ، ولا تسليمٌ. وتعليق قَتَادة يرسِّخُ ما نقله هؤلاء، وقد سلفت روايته عن شيخه كذلك. وحمَّاد في الأخير هو: ابن زيدٍ. ورواه عن حمَّاد أبو الرَّبيع أيضًا، وفي حديثه: لم أحفظ فيه عن أبي هُرَيرةَ شيئًا، وأحبُّ إليَّ أن يتشهَّدَ.
          واختلف العلماء في سجدتي السهو هل فيهما تشهُّدٌ وسلامٌ؟ وقد ورد وجودُ ذلك وعدمُه في بعض الأحاديث، فقالت طائفةٌ: لا فيهما، وقالت أخرى: نعم فيهما، وقالت ثالثةٌ: لا تشهُّدَ فيهما وفيهما السَّلام. وقد أسلفنا ذلك قبل: إذا صلَّى خمسًا. وقال بالثاني ابنُ مسعودٍ والنَّخَعيُّ والحَكَمُ، ورواه عن قَتَادة واستحسن ذلك اللَّيث، وقاله مالكٌ في «العتبية» و«المجموعة»، وهو قول الأوزاعيِّ والثَّوريِّ والكوفيِّين والشافعيِّ، ذكره ابن المنذر، والأصحُّ عندنا لا يتشهَّد وهو ما حكاه الطَّحاويُّ عن الشَّافعيِّ والأوزاعيِّ.
          وفيهما قولٌ رابعٌ: إن سجد قبل السَّلام لم يتشهَّد، وإن سجد بعده تشهَّدَ، رواه أشهب عن مالكٍ، وهو قول ابنِ الماجِشُون وأحمدَ. وادَّعى المهلَّب أنَّه ليس في حديث ذي اليدين تشهُّدٌ ولا تسليمٌ، قال: ويحتمل ذلك وجهين:
          أحدهما: أن يكون صلعم تشهَّدَ فيهما وسلَّم، ولم ينقل ذلك المحدِّثُ.
          والثاني: أنَّه لم يتشهَّد فيهما ولا سلَّم، وألحق المسلمون بهاتين السجدتين سنن الصَّلاة لَمَّا كانت صلاةً كبَّر الشَّارع لهما، فأُضيف إليهما التشهُّد والسلام تأكيدًا لهما، / وهو غريبٌ منه، فقد قال ابن المنذر في التسليم فيهما: إنَّه ثابتٌ عن رسول الله صلعم مِن غير وجهٍ. وفي ثبوت التشهُّد عنه نظرٌ، وقد سلف كلام أبي عمر فيه، وفي حديث ذي اليدين حجَّةٌ لمالكٍ على غيره في قوله: إنَّ سجودَ السهو كلَّه في الزيادة قبل السلام، لأنَّه صلعم زاد في حديث ذي اليدين السلام والكلام، ثمَّ أكمل صلاته وسجد له بعده. ولَمَّا ذكر ابن التِّين عن الحسن أنَّه لا يسلِّم منهما ولا يتشهَّدُ، قال: هكذا حُكي عنه، وهو خلاف ما في البخاريِّ عنه أنَّه فعل إلَّا أن تكون روايتُه في البخاريِّ أنَّه فعل ذلك في سجود السَّهو قبل السلام.
          قلتُ: لا تنافي بينهما.