التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع

          ░8▒ بابُ إذا كُلِّمَ وَهُو يُصَلِّي فأَشَارَ بيدِهِ واسْتَمَعَ.
          1233- ذَكَر فيه حديث كُرَيْبٍ (أَنَّ ابن عبَّاسٍ، وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحمن بْنَ الأَزْهَرَ، أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ...) الحديث.
          وهو حديث أمِّ سَلَمةَ عن الركعتين بعد العصر، وفيه: (فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ) وأخرجه مسلمٌ، ويأتي في المغازي أيضًا، وذكره تعليقًا في باب: ما يُصلَّى بعد العصر مِن الفوائت ونحوها، فقال: ((وقال كُرَيبٌ: عن أمِّ سَلَمة: صَلَّى النَّبيُّ صلعم بعد العصر ركعتين)) الحديث، وقد سلف.
          وقوله: (كُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) كذا هو بالضاد المعجمة، وهو الصحيح لأنَّه جاء في «الموطَّأ»: كان عمر يضرِب عليها، روى السَّائب بن يزيد أنَّه رأى عمر يضرِب المنكدرَ على الصَّلاة بعد العصر، ورُوي: ((أصرف)) بالصَّاد المهملة والفاء.
          واختلف العلماء في الإشارة المفهمة في الصَّلاة، فقال مالكٌ والشافعيُّ: لا تقطع الصَّلاة. وقال أبو حنيفةَ وأصحابه: تقطعها كالكلام، واحتجُّوا بحديث أبي هُرَيرةَ مرفوعًا: ((التَّسبيح للرجال والتَّصفيق للنِّساء، ومَن أشار في صلاته إشارةً تُفهَم عنه فليُعِد)).
          واحتجَّ الأوَّلون بحديث الباب وقالوا: قد جاء مِن طُرقٍ متواترةٍ عن النَّبيِّ صلعم بإشارةٍ مُفهمةٍ، فهي أولى مِن هذا الحديث، وليست الإشارة في طريق النظر كالكلام لأنَّ الإشارة إنَّما هي حركة عضو، وقد رأينا حركة سائر الأعضاء غير اليد في الصَّلاة لا تفسدها فكذلك حركة اليد.
          وفيه: جواز استماع المصلِّي إلى ما يخبرُه به مَن ليس في الصَّلاة، وقد روى موسى عن القاسم أنَّ مَن أُخبِر في الصَّلاة بما يَسُّرهُ فحمد الله أو بمصيبةٍ فاسترجع، أو يُخبَر بالشيء فيقول: الحمد لله على كلِّ حالٍ، أو الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات. فلا يعجبني وصلاتُه مجزئةٌ، ومداومته صلعم على هاتين الركعتين بعد العصر دائمًا مِن خصائصه، وليس لنا ذلك على الأصحِّ.
          وفيه: أنَّه ينبغي أن يسألَ أعلم الناس بالمسألة، وأنَّ العلماء إذا اختلفوا يُرفع الأمر إلى الأعلم والأفقه لملازمةٍ سبقت له، ثمَّ يُقتدى به ويُنتهى إلى فعله.
          وفيه: فضلُ عائِشَةَ وعلمُها لأنَّهم اختصُّوها بالسؤال قبل غيرها، وإنَّما رَفعت المسألة إلى أمِّ سَلَمةَ لأنَّ عائشة كانت تصلِّيهما بعد العصر، وعلمت أنَّ عندَ / أمِّ سَلَمةَ مِن علمِها مثلَ ما عندها، وأنَّها قد رأته صلعم يُصَلِّيهما في ذلك الوقت في بيتها، فأرادت عائشة أن تستظهِر بأمِّ سَلَمةَ تقويةً لمذهبها من أجل ظهور نهيه صلعم عنها وخشيةَ الإنكار لقولها متفرِّدة.
          وقد حُفظ عن عائِشَةَ أنَّها قالت: ((ما تركهما رسول الله صلعم في بيتي سرًّا ولا جهرًا))، تريد: جهرًا منها، وكان لا يُصَلِّيهما في المسجد مخافةَ أن يُثقل على أُمَّتِهِ.
          واَّدعى ابن بطَّالٍ أنَّ الركعتين صلَّاهما ذلك اليوم في بيت أمِّ سَلَمةَ هما غيرُ اللتين كان يلتزم صلاتهما في بيت عائشة بعد العصر، وإنَّما كانت الركعتان بعد الظهر على ما جاء في الحديث، فأراد إعادتهما ذلك الوقت أخذًا بالأفضل لا أنَّ ذلك واجبٌ عليه في سُننه لأنَّ السُّنن والنوافل إذا فاتت أوقاتُها لم يلزم إعادتها. هذا لفظه، ولا نُسلِّم له، وبناه على مذهبه في السُّنن، وعندنا أنَّها تُقضى أبدًا.
          وقال ابن التِّين: مذهب عائشة أنَّها تُبيح النَّافلة في هذا الوقت، وأقسمتْ أنَّه صلعم ما تركها في بيتها. وقال مثلَ قولها داودُ، خاصَّةً أنَّه لا بأس بعد العصر ما لم تغرب، ودليل مالكٍ والجمهور النَّهيُ.