التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الإشارة في الصلاة

          ░9▒ بَابُ الإِشَارَةِ في الصَّلَاةِ.
          قَالَهُ كُرَيْبٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          هو الحديثُ الذي سلفَ في البابِ قبلَهُ.
          وقولُه: (عَنِ النَّبِيِّ صلعم) يعني عن فعْلِه أو مسنَدًا إلى رسولِ الله صلعم، لا أنَّه موقوفٌ عليها.
          1234- ثُمَّ ذَكَرَ حديثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) الحديث. وقد سلف في عِدَّةِ مواضِعَ: مَن دخلَ ليؤمَّ النَّاسَ فجاء الإمامُ الأوَّل [خ¦684] ما يجوزُ مِن التَّسبيحِ والحمدِ للرجال [خ¦1201] رفعُ الأيدي في الصَّلاةِ لأمرٍ يَنْزِلُ به [خ¦1218] والبُخاريُّ رواه هنا عن قتيبةَ عن يعقوبَ بن عبدِ الرَّحمنِ، ورواه أيضًا قتيبةُ فيه عن عبدِ العزيز بن أبي حازمٍ، فيكونُ له فيه شيخان.
          1235- ثُمَّ ذَكَرَ حديثَ أَسْمَاءَ: (دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي) الحديث. وقد سلف في مواضعَ أوَّلُها العلمُ في بابِ مَن أجاب الفتيا بإشارةِ اليدِ والرأسِ [خ¦86].
          1236- ثمَّ ذَكَرَ حديثَ عَائِشَةَ: (صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلعم فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا) الحديثُ. وقد سلف في باب أهل العِلْم والفضل أحقُّ بالإمامة [خ¦688]
          وهذا البابُ كالَّذي قبلَه فيه الإشارةُ المعهودةُ باليدِ والرأسِ. وفيه جوازُ استفهامِ المصلِّي وردِّ الجوابِ باليدِ والرأسِ خلافًا لقولِ الكوفيِّين، وروى ابنُ القاسمِ عن مالكٍ: مَن كُلِّم في الصَّلاةِ فأشار برأسِه أو بيدِه فلا بأسَ بما خَفَّ ولا يُكثِرْ، وقال ابنُ وهبٍ: لا بأسَ أن يشيرَ في الصَّلاةِ بِلا ونعم. وقد اختَلَف قولُ مالكٍ إذا تنحنحَ في الصَّلاةِ لرَجُلٍ ليسمعَه، فقال في «المختصر»: إنَّ ذلك كالكلامِ، وروى عنه ابنُ القاسم أنَّه لا شيءَ عليه لأنَّ التنحنُحَ ليس بكلامٍ، وليس له حروفُ هجاءٍ، قاله الأَبْهَريُّ.
          وحديثُ سهلٍ فيه أنواعٌ مِن الفقهِ والأدبِ فَلْنُشِرْ منها إلى اثنَيْ عَشَرَ وإنْ سلفَتْ:
          أَوَّلُها: مبادرةُ الصَّحابةِ إلى الصَّلاةِ خوفَ الوقتِ إذا انتُظِر مجيئُه.
          ثانيها: جوازُ الصَّلاةِ بإمامينِ بعضُها خَلْفَ واحدٍ وتمامُها خَلْفَ آخَرَ.
          ثالثُها: جوازُ الائتمامِ بمَن تقدَّمَ إحرامُ المأمومِ عليه.
          رابعُها: جوازُ صلاةِ الشَّخصِ بعضًا إمامًا وبعضًا مأمومًا.
          خامسُها: أنَّ العمل اليسيرَ كالخطوةِ والخطوتينِ لا يُفسِدُ.
          سادسُها: أنَّ سنَّةَ الرِّجالِ فيما ينوبُهم التَّسبيحُ وأنَّ النَّساءَ التصفيقُ وهو ضربُ اليمينِ على ظَهْرِ اليسارِ.
          سابعُها: صلاةُ الشَّارعِ خَلْفَ أُمَّتِه.
          عاشرُها: تفضيلُ الصِّدِّيق.
          الحادي عَشَرَ: الرِّضا بإمامتِه لو ثبتَ وتمَّ عليه ولذلك أشار إليه.
          الثَّاني عَشَرَ: جوازُ الدُّعاءِ في الصَّلاةِ مع رَفْعِ اليدين عند حدوثِ نعمةٍ يجب شكرُها؛ وذلك أنَّ الصِّدِّيقَ عقَلَ مِن إشارتِه صلعم أنَّه أَمْرُ إكرامٍ لا إيجابٍ، ولولا ذلك ما استجازَ مخالفةَ أَمْرِهِ.
          وقولُه: (لَا يَنْبَغِي لابْنِ أَبِيْ قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلعم) يحتملُ وجهينِ أبداهُما ابنُ التِّينِ:
          أحدُهما: أنَّه تواضَعَ واسْتَصْغَرَ نفْسَه إذْ مِن الفضائلِ تقدُّمُ الأفاضلِ.
          والثَّاني: أنَّ أَمْرَ الصَّلاةِ في حياتِه كان يختلفُ فلم يُؤمَن حدوثُ زيادةٍ أو نقصٍ وتَغْييرٍ في تلك الحالةِ، والمستحقُّ لها سيِّدُ الأنبياءِ والمرسلين.
          قال: ويُشبِهُ أنْ يكونَ الصِّدِّيقُ قد استدلَّ مع ذلك بشَقِّه الصفوفَ إلى أنْ خَلَصَ إلى الأوَّلِ، أنْ لو لم يُرِدْ ذلكَ لَصَلَّى حيثُ انتهى به المقامُ، وسببُ قيامِهم في حديثِ عائِشَةَ / ما بيَّنَهُ حديثُ جابرٍ أنَّه فَعَلَهُ تواضعًا ومخالفةً لأهلِ فارِسَ في قيامِهم على رؤوسِ ملوكِهم، ويحتملُ أنْ يكونَ قاموا وراءَه في موضِعِ الجلوسِ تعظيمًا له فأمرَهم باتِّباعه والجلوسِ معه إذا جلسَ للتشهُّدِ.
          وادَّعى ابنُ القاسمِ أنَّه كان في النَّافلةِ، وقال أحمدُ وإسحاقُ بظاهرِ الحديثِ: يُصَلِّي المأمومُ جالسًا وإنْ قَدرَ على القيامِ إذا صَلَّى الإمامُ جالسًا، والحُمَيْديُّ والبُخاريُّ وغيرُهما ادَّعوا نَسْخَهُ بصلاةِ الصِّدِّيقِ خَلْفَهُ في مَرَضِهِ الَّذي ماتَ فيه قائمًا، ومشهورُ مذهبِ مالكٍ أنَّه لا يجوزُ أنْ يكونَ إمامًا إذا كانَ مَن وراءَه قادرًا على القيام، وأبو حنيفةَ والشَّافعيُّ والأوزاعيُّ جوَّزُوهُ، وبالله التوفيق.
          آخرُ كتابِ الصَّلاةِ ويتلوهُ في الجزء الثاني كتابُ الجنائزِ.
          فرغ مِن تعليقِه بدارِ السُّنَّةِ الكامليَّةِ بالقاهرةِ، في مدَّةٍ آخِرُها منتصفُ شعبانَ المكرَّمِ مِن سنةِ خمسٍ وثمانينَ وسبعِ مئةٍ: إبراهيمُ بن محمَّد بن خليلٍ سِبْطُ ابنِ العجميِّ الحلبيُّ.
          الحمد لله وحدَه، وصَلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله العليِّ العظيم. / / /