التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها

          ░11▒ بَابُ مَن قَرَأَ السَّجْدَةَ في الصَّلَاةِ فَسَجَدَ بِهَا.
          1078- ذكر فيه حديث أبي رافعٍ _واسمه نُفَيع_ قال: (صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ العَتَمَةَ، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] فَسَجَدَ...) الحديث.
          وأخرجه مسلمٌ أيضًا، وقد سلف وهو حُجَّة لقول الثوريِّ ومالكٍ والشافعيِّ أنَّه مَن قرأ سجدةً في صلاةٍ مكتوبةٍ أنَّه لا بأس أن يسجد فيها، إلَّا أنَّ الذين لا يرون السجود في المفصَّل لا يرون السجود في هذه السُّورة، فإن فعل فلا حرج عندهم في ذلك، وقد كره مالكٌ قراءة سجدة في صلاة الفريضة الجهريَّةِ والسريَّةِ مرَّةً، واختاره أخرى، وقال ابن حبيبٍ: لا يقرأ الإمام السجدة فيما يُسِرُّ فيه، ويقرأها فيما يجهر فيه. ورُوي مثله عن أبي حنيفة وقال: هو مخيَّر أن يسجد عَقِبها أو يؤخِّرها بعد الفراغ مِن الصَّلاة.
          ومنع ذلك أبو مِجْلَز، ذكره الطَّبريُّ عنه أنَّه كان لا يرى السجود في الفريضة، وزعم أنَّ ذلك زيادةٌ في الصَّلاة، ورأى أنَّ السجود فيها غير الصَّلاة، وحديث الباب يردُّ عليه، وبه عمل السَّلف مِن الصَّحابة وعلماء الأُمَّة.
          ورُوي عن عمر أنَّه صلَّى الصُّبح فقرأ: {وَالنَّجْمِ} [النجم:1] فسجَدَ فيها، وقرأ مرَّةً في الصُّبح الحجَّ فسجد فيها سجدتين، وقال ابن مَسْعُودٍ في السورة يكون آخرها سجدة: إن شئت سجدت بها، ثمَّ قمت فقرأت وركعت، وإن شئت ركعت بها.
          وقال الطَّحاويُّ: إنَّما قرأ الشارع السَّجْدَة في العَتَمَة والصبح، وهذا فيما يُجهر فيه، وإذا سجد في قراءة السرِّ لم يدرِ سَجد للتلاوة أم لغيرها.
          وفي الحديث أيضًا حُجَّةٌ لمن قال: إنَّ سجدة هذه السورة مِن عزائم السُّجود، وقول ابن بطَّالٍ إنَّه دالٌّ على العكس معللًا بترك السلف السجود فيها ولذلك أنكر أبو رافعٍ على أبي هريرة سجوده فيها، كما أنكر عليه أبو سَلَمةَ فيما مضى.
          وقول أبي هريرة: (سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي القَاسِمِ فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ فيهَا). يحتمل أن يكون سجد فيها خلفه ولم يواظَب صلعم عليه بها، قال ابن بطَّالٍ: ولذلك أجمع النَّاس على تركها، ولو واظب عليه لم يخفَ ذلك عليهم ولا تركوها، ولا نسلِّم له ذلك.