التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب سجود المسلمين مع المشركين

          ░5▒ بَابُ سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، والْمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ.
          قوله: (نَجَسٌ) هو بفتح الجيم، قال ابن التِّين: كذا رُوِّيناه، وكذا ضُبط في بعض الكتب، قال: والذي في اللُّغة نجِس الشيء بالكسر فهو نجس بكسرها وفتحها أيضًا.
          وقال القَزَّاز وغيره: إذا قالوه مع الرِّجس أتبعوه إيَّاه، قالوا: رِجْس نِجْس _بكسر النُّون وسكون الجيم_ والنجس في اللغة: كلُّ مستقذرٍ، وفي الشرع موضعه الفروع.
          قال البخاريُّ: وكان ابن عمر يسجدُ على غير وضوءٍ.
          1071- ثمَّ ساق مِن حديث ابن عبَّاسٍ: (أَنَّهُ صلعم سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمُونَ وَالمُشْرِكُونَ وَالجِنُّ وَالإِنْسُ). رواه ابن طَهْمَانَ عن أيُّوبَ.
          الشرح: أمَّا أثر ابن عمر فأسنده ابن أبي شَيبةَ مِن حديث سعيدِ بن جُبَيرٍ قال: ((كان عبد الله بن عمر ينزل عن راحلته فيهريقُ الماء، ثمَّ يركبُ فيقرأُ السَّجدة فيسجد وما يتوضَّأُ))، رواه عن محمَّد بن بشرٍ، حدَّثنا زكريا بن أبي زائدةَ حدَّثنا أبو الحسن / _يعني: عُبَيدَ الله بن الحسن_ عن رجلٍ زَعَم أنَّهُ ثِقَةٌ، عن سعيدٍ به.
          لكن روى البيهقيُّ مِن حديث قُتَيبةَ بن سعيدٍ حدَّثنا الليث عن نافعٍ عن ابن عمر أنَّه قال: لا يسجد الرَّجل إلَّا وهو طاهِرٌ. ووقع في رواية أبي الهيثم عن الفِرْبريِّ: كان ابن عمر يسجد على وضوءٍ، بحذف لفظة (غير). وكذا في نسخة الأَصِيليِّ، لكن الذي رواه ابن السَّكَن كما في الكتاب، وهو الصَّواب كما قال ابن بطَّالٍ، وأمَّا حديث ابن عبَّاسٍ فأخرجه في التفسير أيضًا.
          وابن طَهْمَان: هو إبراهيم، مات بعد الخمسين ومائة، قال أحمد: ثقةٌ مُرجِئٌ متكلِّمٌ، أخرج له مسلمٌ أيضًا، ومتابعته أخرجها الإسماعيليُّ مِن حديث حفصٍ عنه، ورواه عبد الصَّمد بن عبد الوارث عن أبيه عن أيُّوبَ، رواه التِّرْمذيُّ وصحَّحه، وفي رواية جعفرَ بن مِهْرانَ: ((سَجَدَ وَهُوَ بِمَكَّةَ بالنَّجْمِ... إلى آخِرِهِ)).
          وذكر ابن أبي شَيبةَ عن وكيعٍ عن زكريا عن الشَّعبيِّ في الرجل يقرأ السَّجدة وهو على غير وضوءٍ، قال: يسجد حيث كان وجهه، وروى أيضًا: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحمر عن الأعمش، عن عطاءٍ عن أبي عبد الرحمن قال: كان يقرأ السجدة وهو على غير وضوءٍ وهو على غير القبلة وهو يمشي، فيومئ برأسه إيماءً، ثمَّ يُسلِّم. وروى أيضًا: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحمرُ عن محمَّد بن كُرَيبٍ عن أبيه عن ابن عبَّاسٍ في الرجل يقرأ السجدة وهو على غير القبلة أيسجد؟ قال: نعم، لا بأس به.
          وذهب فقهاء الأمصار منهم الأئمَّة الأربعة إلى أنَّه لا يجوز سجود التلاوة إلَّا على وضوءٍ، فإن ذهب البخاريُّ إلى الاحتجاج بسجود المشركين فلا حُجَّة فيه، لأنَّ سجودهم لم يكن على وجه العبادة لله والتعظيم له، وإنَّما كان لِمَا ألقى الشيطان على لسان الرسول مِن ذِكر آلهتهم كما سلف، ولا يُستنبط مِن سجود المشركين جواز السُّجود على غير وضوءٍ، لأنَّ المشرك نجسٌ لا يصحُّ له وضوءٌ ولا سجودٌ إلَّا بعد عقد الإسلام، وإن كان البخاريُّ أراد الردَّ على ابن عُمَرَ والشَّعبيِّ بقوله: (وَالمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ) فهو أشبه بالصَّواب.
          وقال ابن المنيِّر: هذه الترجمة متلبسةٌ، والصَّواب: رواية مَن روى أنَّ ابن عمر كان يسجد للتلاوة على غير وضوءٍ، والظاهر مِن قصد البخاريِّ أنَّه صوَّب مذهبه واحتجَّ له بسجود المشركين لها، والمشرك نجسٌ لا وضوء له، ولم يذكر البخاريُّ تمام القِصَّة، ولا سبب سجود المشركين، وفي الإمساك عن ذكره إيهام تقرُّبهم على فهمهم، وليس كذلك لأنَّ الباعث لهم على تلك السجدة الشيطان لا الإيمان، فكيف يُعتبر فعلهم حُجَّةً؟! والله أعلم بمراده مِن هذه الترجمة.
          والظاهر أنَّ البخاريَّ رجَّح الجواز لفعله المشركين بحضرة الشارع، ولم ينكر عليهم سجودهم بغير طهارةٍ، ولأنَّ الراوي أطلق عليه اسم السجود، فدلَّ على الصِحَّةِ ظاهرًا.