التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من سجد لسجود القارئ

          ░8▒ بَابُ مَنْ سَجَد لِسُجُودِ القَارِئِ.
          وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ _وَهُوَ غُلاَمٌ_ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً، فَقَالَ: اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا.
          1075- ثمَّ ذكر حديثَ ابنِ عُمَرَ قالَ: (كَانَ النَّبِيُّ صلعم يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ، فِيهَا السَّجْدَةُ...) الحديث.
          الشرح: أما أثر ابن مَسْعُودٍ فأخرجه ابن أبي شَيبةَ بنحوه: حدَّثنا ابن فُضَيلٍ عن الأعمشٍ، عن سليم أبي إسحاقَ عن سليم بن حنظلةَ قال: قرأتُ على عبد الله بن مَسْعُودٍ سورة بني إسرائيل، فلمَّا بلغت السَّجدة قال عبد الله: اقرأها فإنَّك إمامُنا فيها. ورواه البيهقيُّ من حديث سُفيانَ عن أبي إسحاقَ، عن سليم بن الحَنْظَليَّة قال: قرأت السَّجدة عند ابن مَسْعُودٍ فنظر إليَّ فقال: أنت إمامنا فاسجد نسجد معك.
          و(تَميم) هذا تابعيٌّ وعنه ابنه أبو الخير وغيره، روى له البخاريُّ في «الأدب» خارج «الصحيح». و(حَذْلَم) بالذال المعجمة وحاء مهملة.
          وأمَّا الحديث فأخرجه مسلمُ أيضًا، ففي روايةٍ: ((فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ))، وفي أخرى: ((فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ)). وأجمع فقهاء الأمصار أنَّ التالي إذا سجد في تلاوته أنَّ المستمع يسجد لسجوده، وقال عثمان: إنَّما السَّجدةُ على مَن سمعها.
          واختلفوا إذا لم يسجد، وقد سلف في باب مَن قرأ السجدة ولم يسجد.
          وفي «المدوَّنة»: كره مالكٌ أن يجلس قومٌ إلى قارئٍ يستمعون قراءته ليسجدوا معه إن سجد، وأنكر ذلك إنكارًا شديدًا، وقال: فأرى أن يُقام ويُنهى ولا يُجلس إليه. وقال ابن شعبانَ عنه: فإن لم ينته وقرأ لهم فمرَّ بسجدةٍ لم يسجد ولم يسجدوا، وقد قال مالكٌ أيضًا: أرى أن يسجدوا معه.
          قوله: (فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ)
          فيه الحرص على فعل الخير والتسابق إليه.
          وفيه لزوم متابعة أفعال الشارع على كمالها، ويحتمل أن يكون سجدوا عند ارتفاع النَّاس، وباشروا الأرض، ويُحتمل أن يستجزؤوا ببلوغ طاقتهم من الإيماء في ذلك.
          وقال ابن التِّين: يلزم مستمع السَّجدة السَّجود بشروطٍ خمسةٍ:
          أن يكون القارئ بالغًا وعلى وضوءٍ وَسَجَدَ، وتكون قراءته لا يسمع الناس حُسنها، والسامع ممَّن قصد الاستماع، قال: هذا يلزمه باتِّفَاقٍ.
          واختُلف إذا كان القارئ صبيًّا أو على غير وضوءٍ ولم يسجد، والأصحُّ عند أصحابنا السجود، وأجرَوا الخلاف عندنا في الكافر. قال: والأصل في إلزام المستمع السُّجود هذا الحديث.