التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب سجدة {إذا السماء انشقت}

          ░7▒ بَابُ سَجْدَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1]
          1074- ذكر فيه حديث أبي سَلَمَةَ: (رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] فَسَجَدَ بِهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلعم سَجَدَ لَمْ أَسْجُدْ).
          هذا الحديث أخرجه مسلمُ والأربعة أيضًا، ومن جملةِ طُرُقِهِ عن أبي هريرة عبدُ الرَّحمن بنُ هُرْمُزَ الأعرج عنه، أخرجه مسلمٌ. وعبد الرحمن هذا كثير الحديث، بخلاف عبد الرحمن المقْعَد فإنَّه قليله، وكلاهما يُلقَّب بالأعرج. وقال أبو مَسْعُودٍ: هما واحدٌ، وقال المزِّيُّ: إنَّ هذا الحديث من رواية المقعَدِ، وطرَّقه الدَّارقطنيُّ فأبلغ.
          وقوله: (أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟) أي: في سورةٍ ما رأيت النَّاس يسجدون فيها.
          قال المهلَّب: هكذا رواه اللَّيث عن ابن الهاد عن أبي سَلَمة، فهذا / يدلُّ على أنَّهُ لم يكن العمل عندهم على السُّجود في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} كما قال مالكٌ وأهلُ المدينة فأنكر عليه سجوده فيها، ولا يجوز إنكار ما عليه العمل، قال: وهذا يدلُّ على أنَّها ليست مِن العزائم، ولا نسلِّمُ ذلك له، وهو بناه على عدم السُّجود في المفصَّل، ومَن قال به سجد فيها، وقد سلف الخلاف فيه.
          والحديث حُجَّةٌ لمن رآه، لأنَّ أبا هريرة راويه شاهدَ السُّجود، وهو متأخِّرُ الإسلام كما سلف بعد حديث مَن روى نفيه، وروى البيهقيُّ عن عمَّار أنَّه قرأ هذه السُّورة وهو على المنبرِ فنزلَ فسجدها.
          واحتجَّ الكوفيُّون بأنَّه إخبارٌ لا أمرٌ وسجود التلاوة إنَّما هو في موضع الإخبار، وموضع الأمر إنَّما هو تعليم فلا سجود فيه، وهذا قول الطَّحاويِّ.
          واحتجَّ مَن قال: لا سجود في المفصَّل بأنَّ معنى سجود التلاوة ما كان على وجه المدح والذمِّ، وسجدة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} خارجةٌ عن هذا المعنى لأنَّ قوله: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق:21] إنَّما يعني: أي لا يسجدون بعد الإيمان السُّجود المذكور في القرآن للصلاة، وهذا ليس بخطابٍ للمؤمنين لأنَّهم يسجدون مع الإيمان سجود الصَّلاة.
          فائدة: يسجد عند قوله: {لَا يَسْجُدُوْنَ}. وقال ابن حبيبٍ: في آخرها، والأوَّل أظهر لأنَّ ما بعده لا تعلُّق له بالسجود.