التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث ابن عباس: أنه بات عند ميمونة فاضطجعت في عرض

          992- الحديثُ الثَّانِي: حديثُ (كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ) الحديث وقد سَلَفَ في بابِ السَّمَرِ في العلم [خ¦117] والتَّخفيف في الوُضوء [خ¦138] وغيرهِما، ويأتِي إن شاء الله في تفسيرِ آلِ عِمران بزيادةٍ [خ¦4571].
          ومِمَّا لم يتقدَّمْ هناك قولُه: (فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادةٍ) كذا في الرِّوايةِ، وفي روايةٍ أُخرَى: الوِسَادَةِ. / والعَرْضُ بفتْحِ العين ضدُّ الطُّولِ، قال صاحبُ «المطالِع»: كذا لأكثرِهِم ولبعْضِهِم بضمِّها، وهو النَّاحيةُ والجانبُ، والفَتْحُ أشهَرُ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: وهي الفراشُ وشبهُه. قال: وكانِ والله أعلمُ مضطَجِعًا عندَ رِجْلَيْ رسولِ الله صلعم أو رأسِهِ.
          وقال ابنُ الأثيرِ: الوِسَادةُ المخَدَّةُ والجَمْعُ وَسَائدُ، وقد وَسَّدْتُهُ الشَّيْءَ فَتَوَسَّدَهُ إذا جعَلْتُهُ تحتَ رأسِهِ، وكذا هو في «الصِّحاح». وقال صاحبُ «المطالع»: وقد قالوا إِسَادٌ وَوِسَادٌ واشتقَاقُهُما واحدٌ، والواوُ هنا بعدَ الألِفِ ولعلَّها صورةُ الهمزةِ، والوِسَادُ ما يُتوسَّدُ إليه للنَّومِ، يُقالُ إِسَادٌ وإِسَادَةٌ ووِسَادَةٌ، وكانت هذه الوِسَادةُ أَدَمٌ حشوُها لِيفٌ كما في أبي داودَ والنَّسائيِّ. قال أبو الوليد: والظَّاهِرُ أنَّه لم يكن عندَهما فراشٌ غيرُه، فلذلك ناموا جميعًا فيه.
          واستنبطَ بعضُهم منه قراءةَ القرآن على غيرِ وُضوءٍ لأنَّه صلعم نامَ ثُمَّ استيقظَ فقرأَ قبلَ أنْ يتوضَّأَ. أقولُ: ولا يصحُّ لأنَّ وضوءَه صلعم لا ينتقضُ بالنَّومِ كما هو معلومٌ، ولا شكَّ أنَّ الأَوْلَى قراءتُه على وضوءٍ وبهذا قال عمرُ للَّذي قال له: أتقرأُ وأنتَ على غيرِ وُضُوءٍ؟! فقال له عمرُ: مَنْ أفتاكَ بهذا، أمُسيلَمَةُ الكذَّاب؟ وكانَ الرَّجُلُ فيما زَعَمُوا مِن بني حَنيفَةَ قد صَحِبَ مُسيلَمَةَ ثُمَّ هداهُ الله للإسلامِ.
          وقولُ ابنِ عبَّاسٍ: (فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ) يحتملُ _كما قال ابنُ التِّينِ_ أنْ يُريدَ به جميعَ ما فعَلَهُ صلعم على وجهِ الاقتداءِ به والمبادرةِ إلى الانتفاعِ بِمَا تَعلَّمَ منه.
          وفيه ما كانَ عَلَيْهِ _◙_ مِن التَّواضُعِ كيفَ أمْكَنَهُ.
          وقولُه: (فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ) يحتمل أنْ يكونَ أرادَ بمسْحِه إزالةَ النَّومِ عن وجهِهِ أو إزالةَ الكسَلِ به.
          وقولُه: (ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ) وفي روايةٍ: ((العَشْرَ الآياتِ الخواتِمَ منها)) وفي أُخرَى: ((فاستيقَظَ فَتَسَوَّكَ وتَوَضَّأَ وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190] إلى آخِرِ السُّورةِ)) فيُقتَدَى به ليَبْدَأَ يقَظَتَهُ بذِكْرِ الله تعالى ويخْتِمَها به عندَ نومِه.
وآخِرُ شَيءٍ أَنْتَ أوَّلَ هَجْعَةٍ                     وَأَوَّلُ شَيءٍ أَنْتَ عِنْدَ هُبُوِبي
          فيَذْكُرُ ما نُدب إليه مِن العبادةِ وما وُعِد على ذلكَ مِن الثَّوابِ وتُوعِّدَ على المعاصي مِن العقابِ، فإنَّ الآياتِ المذكورةِ جامعةٌ لكثيرٍ مِن ذلكَ، فينْشَطُ على العبادةِ.
          وقولُه: (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ...) إلى آخِرِه. مُقتضاهُ الفصْلُ بينَ كُلِّ رَكعتينِ بسلامٍ.
          وقولُه: (ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ) هذا الاضطجاعُ لأجْلِ طلوعِ الفجْرِ، والخلافُ في الاضطجاعِ بينَ الفَجْرِ والصُّبْحِ.
          وقولُه: (فَقَامَ فَصلَّى رَكْعَتَيْنِ) زاد في «الموطَّأ»: ((خفيفتينِ)) يعني بذلكَ رَكعتَيِ الفَجْرِ.
          وفيه أنَّ قيامَ اللَّيلِ سُنَّةٌ مسنونةٌ لا ينبغي تركُها لهذا الحديثِ، وقد رَوَى عبدُ الله بن سَلَامٍ قال: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلعم الْمَدِينَةَ فكان أوَّلُ ما سمعْتُهُ يقول: ((أَيُّهَا النَّاسُ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)) وقد رُوي عن بعضِ التَّابعينَ أنَّ قيامَ اللَّيلِ فرْضٌ، حكاهُ ابنُ عبدِ البَّرِ وسيأتي.
          واختلفَتِ الآثَارُ في اضطجاعِه المذكورِ في هذا الحديثِ فرُوِيَ أنَّ ذلكَ كانَ بعدَ وِتْرِهِ قَبْلَ أن يركَعَ الفَجْرَ، ورُوِيَ أنَّ ذلكَ كانَ بعْدَ ركوعِه الفَجْرَ، وذلكَ في روايةِ عُروَةَ عن عائشةَ.
          وقولُه: (فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ) جاءَ أنَّ ذلكَ على يسارِه فَأَخَذَهُ بأُذُنه فجَعَلَه عن يمينِه.