التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: ليجعل آخر صلاته وترًا

          ░4▒ بَابٌ لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا.
          998- ذَكَرَ فيه حديثَ نافعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنٍ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا).
          هذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ، وهُو دَالٌّ على كونِ الوِتْرِ آخِرَ الصَّلاةِ.
          واختلَفَ العلماءُ فيمَنْ أوتَرَ ثُمَّ نامَ ثُمَّ تَهَجَّدَ هل يجْعَلُ آخِرَ صلاتِه وِترًا أم لا؟ فكانَ ابنُ عُمَرَ إذا عَرَضَ له ذلك صلَّى رَكْعَةً واحدةً في ابتداءِ قيامِه أضافَها إلى وِتْرِهِ ينقُضُه بها ثُمَّ يُصَلِّي مَثْنى مَثْنى ثُمَّ يُوْتِرُ بواحِدَةٍ، رُوِيَ ذلك عن سعدٍ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ مسعودٍ وبه قال إسحاقُ، وممَّن رُويَ عنه أنَّه يَشْفَعُ وِترَهُ عثمانُ وعليٌّ وعنْ عمْرِو بن ميمونٍ وابنِ سيرينَ مِثْلُهُ.
          وكانَتْ طائفةٌ لا تَرَى نَقْضَ الوِتْرِ، رُوِيَ عن الصِّدِّيقِ أنَّهُ قال: أمَّا أَنا فإنِّي أنامُ على وِتْرٍ فإنِ استيقَظْتُ صَلَّيْتُ شَفْعًا حتَّى الصَّبِاحِ. ورُوِيَ مِثْلُهُ عن عمَّارٍ وسعدٍ وابنِ عبَّاسٍ، وقالتْ عائشةُ في الَّذِي ينقُضُ وِتْرَهُ: هذا يلْعَبُ بِوِتْرِهِ، وقال الشَّعبِيُّ: أُمِرْنَا بالإبرامِ ولم نُؤمَرْ بالنَّقْضِ، وكان لا يرى نَقْضَ الوِتْرِ عَلقَمَةٌ ومكحولٌ والنَّخَعِيُّ والحَسَنُ، وهو قولُ مالكٍ والأوزاعيِّ والصَّحيحُ مِن مذهبِ الشَّافِعِيِّ وأحمدَ وأبي ثَوْرٍ.
          وقال ابن التِّينِ: ذَكَرَ بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ في الحديثِ دِلالةً لِقولِ مَن قالَ: إذا شَفَعَ وِتْرَهُ بِرَكْعَةٍ ساهيًا أنَّه يُعيدُ وِتْرَهُ. وفي «المبسوط» فيمَنْ أَوتَرَ ثُمَّ ظَنَّ أنَّه لم يصلِّ إلَّا رَكعتينِ فأَوْتَرَ بِرَكعةٍ ثُمَّ ظهرَ له أنَّهُ أوتَرَ يُعيدُ إليهَا أُخْرَى ثُمَّ يستأنِفُ الوِتْرَ لِظَاهِرِ الحديثِ. ومشهورُ مذهبِ مالكٍ ألَّا إعادَة ويَعْتَدُّ بِوِتْرِه لأنَّ الوِتْرَ يوتِرُ ما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ مِن النَّوافِلِ، إلَّا أنَّ الفَضْلَ في تأخيرِه عن جميعِ ما يوتِرُهُ.