التوضيح لشرح الجامع البخاري

ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده}

          ░1▒ بَابُ: مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27].
          وقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَالحَسَنُ: كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ، هَيْنٌ وَهَيِّنٌ مِثْلُ: لَيِّنٍ وَلَيْنٍ، وَمَيِّتٍ وَمَيْتٍ، وَضَيِّقٍ وَضَيْقٍ. {أَفَعَيِينَا} [ق:15] أَفَأعيا عَلَيْنَا حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ. اللُّغُوْب: النَّصَبُ. {أَطْوَارًا} [نوح:14] طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا، عَدَا طَوْرَهُ أَيْ: قَدْرَهُ.
          الشَّرح: الكتاب وما بعده مِنْ ذكر الأنبياء والمناقب والسِّير والتَّفسير إلى النِّكاح، لمْ أرَه في كتاب ابن بطَّالٍ رأسًا، وإنَّما عقَّب هذا بالعقيقة وما شاكلها، وما أدري لِمَ فعل ذلك وقد حذف نحو ربع «الصَّحيح».
          قال ابن الأعرابيِّ: العرب تمدح بالهَيْن اللَّيْن مخفَّفًا، وتذمُّ بهما مثقَّلًا. وفي معنى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27] أقوال: أحسنها _وهو قول قتادة_ أنَّ معنى {أَهْوَنُ} هَيِّن، ومنه الله أكبر، أي كبيرٌ. وقالَ ابن عبَّاسٍ: {أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي المخلوق، لأنَّهُ ابتدأ جعله نطفةً ثمَّ عَلَقةً ثمَّ مُضْغَةً والإعادة يقول له: كن فيكون، فهو أهون على المخلوق. وقال مجاهدٌ وغيره: (كلٌّ عَلَيهِ هَيِّنٌ)، والإعادة أهون عليه، أي: أهون عندكم فيما تعرفون على التَّمثيل، وبعده: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:27] في قراءة عبد الله: {وَهُوَ عَلَيهِ هَيِّنٌ}.
          وما ذكره في قوله: ({أَفَعَيِيْنَا}) اعترض ابن التِّين فقال: الَّذي قال أهل اللُّغة والمفسِّرون: (أَفَعَيَيْنَا) عييتُ بالأمر إذا لم أعرف وجهه، وقال الزَّجَّاج: في هذه الآية الكريمة غيرُ قولٍ، أعني الأُولى، فمنها أنَّ الهاء تعود على الخَلْق، والمعنى: الإعادة والبعث أهونُ على الإنسان مِنْ إنشائه لأنَّه يُقاسي في المنشأ ما لا يُقاسي في البعث والإعادة، وقال أبو عبيدة وكثيرٌ مِنْ أهل اللُّغة: إنَّ معناه وهو هَيِّنٌ عليه، أي: كلُّه هَيِّنٌ عليه، وإنَّ {أَهْوَنُ} هنا ليس على بابها، وإنَّما معناه هَيِّنٌ، وهذا سلف.
          قال: وأحسنُ منهما أنَّهُ خاطب عباده بما يعقلون، وأعلمَهم أنَّه يجب عندهم أن يكون البعثُ أسهلَ وأهون مِنَ الابتداء والإنشاء، وجعله مثلًا لهم فقال: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:27]، أي قوله {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} فَضَربه لهم مثلًا فيما يصعُب ويسهل.
          وقوله: (اللُّغُوبُ: النَصَبُ) هو الإعياءُ، وهذا كذَّبَ اللهُ به اليهودَ لمَّا قالوا: فَرَغ الله مِنَ الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السَّبت، فأعلمه الله أنَّهُ لم يمسَّهُ تعب. قال الدَّاوديُّ: و(اللُّغُوب) بالنَّصب والضَّمِّ. قال ابن التِّين: وما رأيتُ مَنْ ذكر فيه نصب اللَّام، وإنَّما اللَّغُوب: الأحمق.
          وقوله: ({أَطْوَارًا} طَوْرًا كَذَا وطورًا كَذَا) قال ابن عبَّاسٍ: نُطْفةً ثُمَّ عَلَقةً ثُمَّ مُضْغَةً، وقاله مجاهدٌ، وقيل: اختلاف المناظر والصِّحَّة والسُّقم مِنْ قولهم: جاز فلانٌ طوره، أي خالف ما يجب أن يستعمله، وقيل: أصنافًا في ألوانكم ولُغَاتكم، وهو نحو الثَّاني، والأوَّل أولى لأنَّ الطَّور في اللُّغة المرَّة، فالمعنى خَلَقكم مِرارًا مِن نُطْفةٍ، ثُمَّ مِن عَلَقةٍ، ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ.