التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما جاء في سبع أرضين

          ░2▒ بَابُ: مَا جَاءَ في سَبْعِ أَرَضِيْنَ
          وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} الآية [الطلاق:12] {السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور:5] السَّمَاءُ. {سَمْكَهَا} [النازعات:28] بِنَاءَهَا. و{الْحُبُكِ} [الذاريات:7] استِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {وَأَذِنَتْ} [الانشقاق:2] سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ. {وَأَلْقَتْ} [الانشقاق:4] أَخْرَجَتْ. {مَا فِيهَا} [الانشقاق:4] مِنَ المَوْتَى. {وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:4] عَنْهُمْ. {طَحَاهَا} [الشمس:6] دَحَاهَا. {بِالسَّاهِرَةِ} وَجْهُ الأَرْضِ كَانَ فِيهَا الحَيَوَانُ نَوْمُهُمْ وَسَهَرَهُمْ.
          الشَّرح: قوله: ({وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}) قيل: بين كلِّ أَرْضَينِ خمسُ مئة عامٍ، وهي سبع أَرَضينَ لا سبعةُ أقاليمَ، وكذلك بين كلِّ سماءين. وحديث الباب: (يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) قال الدَّاوُديُّ: فيه دِلالةٌ أنَّ الأَرَضين بعضُها على بعضٍ ليس بينها فُرْجة، وقال مجاهدٌ: {يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق:12] بين السَّماوات السَّبع إلى الأَرَضينَ السَّبعِ، وقال الحسن: بين كلِّ سماءٍ خلقٌ وأمرٌ.
          وروى البَيْهقيُّ عن أبي الضُّحى مسلمٍ عن ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: (({اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12] قال: سبعَ أَرَضين في كلِّ أرضٍ نبيٌّ كنبيِّكم، وآدمُ كآدمَ، ونوحٌ كنوحٍ، وإبراهيمٌ كإبراهيمَ، وعيسى كعيسى))، ثمَّ قال: إسناد هذا الحديث عن ابن عبَّاسٍ صحيحٌ، وهو شاذٌّ بمرَّةٍ لا أعلم لأبي الضُّحى عليه متابعًا.
          وفي «سنن ابن ماجَهْ» أنَّ بين السَّماء والأرض مسيرةَ ثلاثٍ وسبعين سنةً أو نحوَها، وكذا بين كلِّ سماءٍ وسماءٍ. وقال الجَورَقَانيُّ: إنَّه حديثٌ صحيحٌ، وهذا موافقٌ لِمَا دلَّ عليه علمُ الهيئة بأنَّ بين السَّماء والأرض ثمانين سنةً، مسافة كلِّ يومٍ منها ثلاثون ميلًا إذا صَعِدْتَ على استواءٍ، وما يذكره النَّاس أنَّ بينهما خمسَ مئة عامٍ لا دليلَ عليه، وقد بسطتُ الكلام على ذلك في «شرح العُمدة» فراجعْه منه في الكلام على الخُطبة.
          و({سَمْكَهَا}): بفتح السِّين كما فسَّره. و({الحُبُكِ}): قد فسَّره. وقيل: ذات الطَّرائق، الواحدة حَبِيكة، مِثْل طريقة وطُرُق، وقيل: الواحد حِبَاك كمِثَالٍ ومُثُلٍ، وقال مجاهدٌ: ذات البنيان، وقال الحسن: ذات النُّجوم، والأقوالُ متقاربةٌ لأنَّ ذلك كلَّه مِنْ زينتها وحسنها، وقيل: ({الحُبُكِ}): الطَّرائق الَّتي تكون في السَّماء مِنْ آثار الغيم.
          ومعنى ({أَذِنتَ}): سمعتْ وقَبِلت، ومنه: ما أَذِن الله لنبيِّ كإذنه لنبيٍّ يتغنَّى بالقرآن.
          وقوله: ({طَحَاهَا} دَحَاهَا) هو قول مجاهدٍ، قال أبو عُبيدة: أي بسطها يمينًا وشمالًا مِن كلِّ جانبٍ. وما فسَّر به السَّاهِرَةِ مِنْ كونها وجهَ الأرض هو قول مجاهدٍ، أي: كانوا في سفلاها فحملوا في أعلاها، وقيل: السَّاهِرَةُ: أرض القيامة، وقال ابن عبَّاسٍ: إنَّها الأرض.
          ثمَّ ذكر البُخاريُّ في الباب أربعة أحاديث.
          3195- أحدها: حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، قَالَتْ: (يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: مَنْ ظَلَمَ قِيْدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعٍ أَرَضِينَ).
          3196- ثانيها: حديث سَالمٍ، عَنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ رسول الله صلعم: (مَنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ).
          3197- ثالثها: حديث أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ رسول الله صلعم، قَالَ: (الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).
          3198- رابعها: حديث هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سِعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ (أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا؟! أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ للهِ صلعم يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ. قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ: دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلعم).
          وحديث عائشة وابن عمر وسعيد بن زيدٍ تقدَّموا في المظالم [خ¦2453] [خ¦2454] [خ¦2452]، وحديث أبي بَكْرة سلف في العلم والحجِّ [خ¦67] [خ¦1739]، ويَأتي في التَّفسير أيضًا [خ¦4662]، وسلف خُطبته في الحجِّ [خ¦1739].
          وقوله: (وخُسِفَ بِهِ) أي: هُوِيَ به إلى أسفلها كما هُوِيَ بقارون.
          وأمَّا قول البُخاريِّ: (قَالَ ابنُ أَبِي الزِنَاد...) إلى آخره ففائدتُه تصريح عُروة بسماعه إيَّاه مِنْ سعيد بن زيدٍ.