التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان

          ░11▒ (بَابُ: مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ)
          2438- ذكَر فيه حديث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أيضًا: (أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ _صلعم_ عَنِ اللُّقَطَةِ، قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً...) الحديثَ.
          ولا يجب عند جماعة العلماء على الملتقِط _إنْ لم يكن مِنْ ضالَّة الحيوان_ أنْ يدفعها إلى السُّلطان، وإنَّما معنى هذِه التَّرجمة: أنَّ السُّنَّة وردت بأنَّ واجد اللُّقَطة هو الَّذي يعرِّفها دون غيره، لقوله: (عَرِّفْهَا) إلَّا أنَّهم اختلفوا في الملتقِط إذا كان غير مأمونٍ عليها، على قولين:
          أحدهما: أنَّه يُعرِّفَها وليس للسُّلطان أخذُها مِنْه.
          والثَّاني: أنَّ له أَخْذَها مِنْه ودفعها إلى ثِقةٍ يعرِّفها، والقولان للشَّافعيِّ أيضًا.
          وأمَّا حكْمُ الضَّوالِّ فإنَّها تحتاج إلى حِرزٍ ومُؤْنةٍ، وهذا لا يكون إلَّا بحكْم حاكمٍ، ولهذا كانت تُرفع ضَوالُّ الإبل إلى عُمَرَ وعُثْمانَ وسائر الخلفاء بعدهما.
          واختلفوا إذا التقط لُقَطةً فضاعت عنده، فقال أبو حَنيفةَ وزُفَرُ: إنْ أشهد أنَّه أخذها ليعرِّفها لم يضمنْها إنْ هلكَت وإلَّا ضَمِنَها، وقد سلف، واحتجَّ بحديث عِياضٍ السَّالف فيه الإشهاد، وقال مالِكٌ وأبو يوسُفَ ومُحَمَّدٌ والشَّافعيُّ: لا ضمان عليه إلَّا أنْ يفرِّط، وحجَّتهم إجماع العلماء أنَّ المَغصوبات لو أَشهد الغاصبُ عَلى نفسه أنَّه غَصبها لم يُدْخِلْها إشهادُ ذلك في حكْم الأمانات، فكذلك ترك الإشهاد عَلى الأمانات لا يُدْخِلُها في حكْم المَغصوبات، وَلا خلاف أنَّ المُلتقِط أمينٌ لا يضمن إلَّا مَا يضمن به الأمانات مِنَ التَّعدِّي والتَّضييع.
          وأمَّا حديث عياضٍ فمعناه أنَّ المُلتقِطَ إذا لم يُعرِّف اللُّقَطة ولم ينشدها وكَتَمها، ثمَّ قامت عليه بيِّنةٌ أنَّه وجد لُقَطة وضمَّها إلى ماله، ثمَّ ادَّعى تَلَفَها أنَّه لا يُصدَّق ويَضْمَنُ؛ لأنَّه بفعله ذلك خارجٌ عن الأمانة، إلَّا أنْ تقومَ البيِّنة على تَلَفِها، وأمَّا إذا عرَّفها في المَحَافل وإنْ لم يُشْهِدْ فلا ضمانَ عليه، وقوله: ((وَإِلاَّ فَهُو مَالُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشاءُ)) فإنَّه يريد انطلاقَ يد المُلتقِطِ عليها بعد الحول ثمَّ يضمنُها لصاحبها إنْ جاء بإجماعٍ.