التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها

          ░10▒ (باب: هَلْ يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ وَلاَ يَدَعُهَا تَضِيعُ حَتَّى لاَ يَأْخُذَهَا مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ؟)
          2437- ذكَر فيه حديث أُبيِّ بنِ كَعْبٍ السَّالف أوَّل الباب بزيادةٍ.
          واختلف العلماء في اللُّقَطة هل أخذُها أفضلُ أم تركُها؟ فكرهتْ طائفةٌ أخذَها ورأَوا تركَها أفضلَ، رُوي ذلك عن ابنِ عُمَرَ وابنِ عَبَّاسٍ وهو قول عَطاءٍ، وروى ابنُ القاسِمِ عن مالِكٍ أنَّه كره أخذها والآبق، فإنْ أخذ ذلك وضاعت وأَبَقَ مِنْ غير تضييعه لم يضمن، وكره أَحْمَدُ أخذَها أيضًا، وقالت طائفةٌ: أخذُها وتعريفُها أفضل مِنْ تركها، هذا قول سَعيدِ بنِ المسيِّب، وقال أبو حَنيفةَ: تركها سببٌ لإضاعتها، وبه قال الشَّافعيُّ، وعن مالِكٍ: إنْ كان شيءٌ له بالٌ فأخذه وتعريفه أحبُّ إليَّ.
          حجَّة الأوَّلِ الحديثُ السَّالف: ((ضالَّة المُؤمنِ حَرَقُ النَّار))، و((لَا يُؤوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضالٌّ)).
          حجَّة الثَّاني: أمر الشَّارع بتعريفها وَلم يقل له: لمَ أخذتها؟ وذَلِكَ دليلٌ على أنَّ الفضل في أخذها وتعريفها؛ لأن تركها عونٌ على ضياعها، ومِنَ الحقِّ النَّصيحةُ للمسلِم وأنْ يحوطه مِنْ ماله بما أَمكنَه، وتأوَّلوا / ما سلف أنَّ المراد به: مَنْ لم يعرِّفها وأراد الانتفاع بها حتَّى لا تتضادَّ الأخبار، ويدلُّ على ذلك رواية زَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنيِّ مرفوعًا: ((مَنْ آوى ضالَّة فهو ضالٌّ ما لم يُعرِّفْها))، وروى الجارودُ قال: أتينا على رَسُول الله _صلعم_ ونحن على إبلٍ عِجَافٍ، فقلنا: يا رَسُول الله، إنَّا نمرُّ بالجُرُفِ فنجد إبلًا فنركبُها، فقال: ((ضَالَّةُ المُؤمنِ حَرَقُ النَّارِ)). وكان سؤالهم عن أخذها إنَّما هو لأنْ يركبوها، فأجاب بذلك، أي ضالَّة المسلِم حكمُها أنْ تُحفظ على صاحبها حتَّى تؤدَّى إليه، لا لأنْ ينتفع بها لركوبٍ ولا لغيره.
          فائدةٌ: قول سُوَيدٍ: (كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا، فَقَالاَ لِي: أَلْقِهِ) قال الدَّاوُديُّ: قول سُوَيدٍ صوابٌ، وقد أدرك الجاهليَّة والإسلام، وقيل: له صحبةٌ وصحب عَلِيًّا وابنَ مَسْعودٍ، وتوفِّي سنة ستٍّ وعشرين ومئةٍ. وسَلْمانُ باهِليٌّ كان عُمَرُ يولِّيه على الجيوش، وزَيْدُ بنُ صُوْحانَ كان عُمَرُ يُرحِّل رحلَه بيده إكرامًا له لفضله، قُطعت رجله يوم الجمل وهو مع عَلِيٍّ.
          قال الشَّيخ أبو إسْحاقَ في «زاهيه»: خالف سَعيدُ بن المسَيِّب أهلَ مكَّة والمدينة وقال: تُؤخذ اللُّقَطة وتُعرَّف؛ لأنَّه مال يُجمع على ربِّه، وأحسب أنَّه أراد أنَّ حرمته كحرمة اللَّقيط، وبه قال الحَسَنُ بنُ صالحٍ.