التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا وجد خشبة في البحر أو سوطًا أو نحوه

          ░5▒ (باب: إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً في البَحْرِ أَو سَوْطًا أَو نَحْوَهُ)
          2430- وقال اللَّيْثُ، فذكر حديثَ الخشبة مِنْ حديث أبي هُرَيْرَةَ ولم يذكر للسَّوط سندًا، وكأنَّه قاسه عليها، وحُكم هذِه الخشبة حُكم اللُّقَطة كما صرَّح به ابنُ بَطَّالٍ، وإنَّما أخذَها حطبًا لأهله؛ لأنَّه قَوِيَ عنده انقطاعُها مِنْ صاحبها لغَلبة العطَب على صاحبها وانكسار سفينته، ورَوى ابنُ عَبْدِ الحَكَمِ عن مالِكٍ إذا ألقى البحرُ خشبةً فتركُ أخذِها أفضلُ، وفيه قولٌ: إنَّ واجدَها يأخذها، فإنْ جاء ربُّها غَرِم له قيمتَها.
          واختلف العلماء فيما يفعل باللُّقَطة اليسيرة على أقوال:
          رخَّصت طائفةٌ في أخذِها والانتفاعِ بها وتركِ تعريفها؛ وممَّنْ رُوي ذلك عنه عُمَرُ وعَلِيٌّ وابنُ عُمَرَ وعائِشةُ، وهو قول عَطاءٍ والنَّخَعيِّ وطاوُسٍ، قال ابنُ المنْذِرِ: رُوِّينا عن عائِشةَ في اللُّقَطة لا بأس بما دون الدِّرهم أنْ يُستمتع به، وعن جابِرِ بنِ عَبْدِ الله: كانوا يرخِّصون في السَّوط والحبل ونحوه أنْ يُنتفع به. وقال عَطاءٌ: لا بأسَ للمسافر إذا وجد السَّوطَ والسِّقاءَ والنَّعلينِ أنْ يستمتعَ بها. وحديث الباب حجَّةٌ لهذه المقالة؛ لأنَّه _◙_ أخبر أنَّه أخذَها حطبًا لأهله ولم يأخذْها ليعرِّفها، وأقرَّ الشَّارعُ ذلك ولم يذكر أنَّه فعل ما لا ينبغي، وفي «الهداية»: وإنْ كانت اللُّقَطة ممَّا يُعلم أنَّ صاحبَها لا يطلبُها كالنَّواة وقشور الرُّمَّان، فإلقاؤه إباحةُ أخذِه فيجوزُ الانتفاعُ به مِنْ غير تعريفٍ، ولكنَّه يبقى على ملك مالكه؛ لأنَّ التَّمليك مِنَ المجهول لا يصحُّ. واحتجَّ له ابنُ رُشْدٍ بحديث التَّمرة الآتي ولم يذكر فيها تعريفًا، وهذا مثلُ العصا والسَّوط، وإنْ كان أَشْهَبُ قد استحبَّ تعريفَ ذلك، فإنْ كان يسيرًا إلَّا أنَّ له قدرًا ومنفَعةً فلا خلاف في تعريفه سنةً، وقيل: أيَّامًا، وإنْ كان ممَّا لا يبقى في يد ملتقِطه ويُخشى عليه التَّلف، فإنَّه يأكله الملتقِط فقيرًا كان أو غنيًّا، وهل يضمن؟ فيه روايتان أشهرهما: لا، فإنْ كان ممَّا يُسرع إليه الفساد في الحاضرة، فقيل: لا ضمان عليه، وقيل: نعم، وقيل: بالفرق أنْ يتصدَّق به أو يأكله، أعني: أنَّه يضمن في الأكل دونها، وأوجبت طائفةٌ تعريفَ قليل اللُّقَطة وكثيرها حولًا إلاَّ مَا لا قيمة له.
          قال ابنُ المنْذِرِ: رُوِّينا ذلك عن أبي هُرَيْرَةَ أنَّه قال في لُقَطة الحبل والزِّمام ونحوه: عرِّفه، فإنْ وجدت صاحبه رددتَه عليه وإلَّا استمتعت به. وهو قول مالِكٍ والشَّافعيِّ وأَحْمَدَ، قال مالِكٌ: ومَنْ وجد لُقَطةً دِينارًا أو درهمًا أو أقلَّ مِنْ ذلك، فليعرِّفه سنةً إلَّا الشَّيءَ اليسير مثل: القُرْصِ أو الفَلْسِ أو الجَوزة أو نحو ذلك فإنَّه يتصدَّق به مِنْ يومه، ولا أرى أنْ يأكلَه ولا يأكل التَّمرات والكسرة إلَّا المحتاج، وأمَّا النَّعلان والسَّوطُ وشبه ذلك فإنَّه يعرِّفه، فإنْ لم يجد له صاحبًا تصدَّق به، فإنْ جاء صاحبه غرِمَه وهو قول الكوفيِّين إلَّا في مُدَّة التَّعريف، فإنَّهم قالوا: ما كان عشرةَ دراهم فصاعدًا عرَّفه حولًا، وما كان دونه عرَّفه بقدر ما يراه. وقال الثَّوْريُّ: يُعرَّف الدِّرهمُ أربعة أيَّامٍ. وقال أَحْمَدُ: سَنةً. وقال إسْحاقُ: ما دون الدِّينار يُعرَّف جُمعةً أو نحوها. وحجَّة هذِه المقالة إطلاق الحديث، فإنَّه لم يخصَّ قليلها مِنْ كثيرها فيجب على ظاهر حديث زَيْدِ بنِ خالِدٍ أنْ يستويَ حُكْم قليلها وكثيرها في ذلك، قال ابنُ المنْذِرِ: ولا نعلم شيئًا استُثني مِنْ جملة هذا الخبر إلَّا التَّمرةَ الَّتي منعه مِنْ أكلها؛ خشية كونها مِنَ الصَّدقة فما له بقاءٌ ممَّا زاد على التَّمرة، وله قيمةٌ يجب تعريفه.
          واختلفوا فيما لا يبقى إلى مدَّة التَّعريف، فقال مالِكٌ: يتصدَّق به أعجبُ إليَّ. قيل لابنِ القاسِمِ: فإنْ أكلَه أو تصدَّق به، فأتى صاحبُه؟ قال: لا يضمنه في قياس قول مالِكٍ على الشَّاة يجدها في فيافي الأرض. وفي قول الكوفيِّين مَا لا يبقى إذا أتى عليه يومان أو يومٌ فسَدَ، قالوا: يُعرِّفه فإنْ خاف فسادَه تصدَّق به، فإنْ جاء ربُّه ضمنَه وهو قول الشَّافعيِّ، وحجَّتهم أنَّ ما كان له ربٌّ فلا يملكه عليه أحدٌ إلَّا بتمليكه إيَّاه قلَّ أو كثُر.