شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الجهر بالقراءة في الكسوف

          ░19▒ باب الجهر بالقراءة في الكسوف.
          فيه: الْوَلِيدُ عَنِ ابْن نَمِرٍ عَنِ ابْن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (جَهَرَ النبيُّ صلعم في صَلَاة الكُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ) الحديث. [خ¦1065] [خ¦1066]
          وَقَالَ الأوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ(1) على عَهْدِ النَّبيِّ صلعم فَبَعَثَ مُنَادِيًا بالصَّلاة(2) جَامِعَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ في رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ(3)، فَقُلْتُ: مَا صَنَعَ أَخُوكَ في(4) ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، مَا صَلَّى إِلَّا رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صلاة(5) الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: أَجَلْ إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ.
          تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الجَهْرِ.
          اختلف العلماء في القراءة في صلاة الكسوف، فقالت طائفةٌ: يجهر بها، رُوي ذلك عن عليِّ بن أبي طالب، وبه قال أبو يوسف ومحمَّد بن الحسن(6) وأحمد وإسحاق، واحتجُّوا بحديث سفيان بن حسين(7) وابن نمر عن الزُّهريِّ. وقالت طائفةٌ: يُسِرُّ بالقراءة فيها، رُوي ذلك عن عثمان بن عفَّان وابن مسعودٍ وابن عبَّاسٍ، وهو قول مالكٍ واللَّيثِ والكوفيِّين والشَّافعيِّ، واحتجُّوا بحديث ابن عبَّاسٍ: ((أنَّه صلَّى خلف النَّبيِّ صلعم فقَرأَ قِراءةً طَويلةً نحوًا مِنْ سورةِ البقرةِ))، وقد تقدَّم في باب صلاة الكسوف جماعة [خ¦1052]، ولو جهر فيها(8) لم يقل: ((نحوًا مِنْ سورةِ البقرةِ(9)))، وأمَّا سفيان بن حسين وعبد الرحَّمن بن نمر وسليمان بن كثير فكلُّهم ضعيفٌ في حديث الزُّهريِّ، وفيما ساقه البخاريُّ من رواية الأوزاعيِّ عن ابن شهاب_ولم يذكر عنه(10) الجهر_ ما يردُّ(11) رواية الوليد عن ابن نمر بالجهر، فيبقى سليمان بن كثيرٍ وسفيان بن حسينٍ وليسا بحجَّةٍ في(12) الزُّهريِّ لضعفهما، وقد عارضهما حديث عائشة وابن(13) عبَّاسٍ وسَمُرة.
          فأمَّا حديث عائشة فرواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة، وعبد الله بن أبي سلمة عن عروة عن عائشة قالت: ((كَسَفَتِ(14) الشَّمسُ عَلى عَهدِ النَّبيِّ صلعم فخرَجَ فصلَّى بالنَّاسِ، فأطَالَ القِيامَ، فحَزَرتُ أنَّهُ قرأَ بسورَةِ(15) البقرةِ، قالَت: وسجدَ سجدتينِ، ثمَّ قامَ فَحزَرتُ أنَّهُ قرأَ بسورةِ آلِ عِمْرَانَ)). وأمَّا حديث ابن عبَّاسٍ فرواه ابن لهيعة عن يزيد(16) بن أبي حبيبٍ عن عِكْرِمَة عن ابن عبَّاسٍ قال: ((كنتُ إلى جنبِ النَّبيِّ صلعم في صلاةِ الكسوفِ فما سمعتُ منهُ حرفًا)).
          وأمَّا حديث سَمُرة فرواه سفيان عن الأسود بن قيسٍ عن ثعلبة بن عَبَّادٍ عن سَمُرة بن جُنْدبٍ قال: ((صلَّى بنا النَّبيُّ صلعم صلاةَ الكُسوفِ لا نسمعُ لهُ صوتًا)).
          قال ابن القصَّار: ونقل(17) السِّر في صلاة الكسوف أهل المدينة خلفًا(18) عن سلفٍ نقلًا متَّصلًا، ولو تعارضت الأحاديث لبقي حديث ابن عبَّاسٍ وهو حجَّةٌ.
          وقوله: (أَخْطَأَ السُّنَّةَ) حجَّةٌ لمالكٍ والشَّافعيِّ في أنَّ السُّنَّة أربع ركعاتٍ في ركعتين. /


[1] في (ص): ((خُسِفَت)) بضبط الحركات.
[2] في (ق): ((مناديًا الصلاة))، في (ص): ((مناديًا أنَّ الصَّلاة)).
[3] زاد في (ق) و(م): ((قال الزهري)).
[4] قوله: ((في)) ليس في (ق) و(م).
[5] قوله: ((صلاة)) ليس في (ق).
[6] قوله: ((بن الحسن)) ليس في (ق). في (ص): ((الحسين)).
[7] قوله: ((بن حسين)) زيادة من (ق). وهي ليست في (ص).
[8] في (ق): ((بها)).
[9] قوله: ((وقد تقدم في باب صلاة..... سورة البقرة)) ليس في (ق) و(ص).
[10] في (ص): ((عند)).
[11] في (ق): ((عنه الجهر ما يدفع بدفع)) في (م): ((عنه الجهر ما يدفع)) وضع فوق كلمة ((عنه)): ((في)).
[12] زاد في (ق) و(ص): ((القول عن)).
[13] في (ق): ((حديث حديث ابن)).
[14] في (ص): ((كُسِفَت)) بضبط الحركات.
[15] في (ص): ((سورة)) كذا في الموضع الآتي.
[16] في (ص): ((زيد)).
[17] صورتها في (م): ((ونقلت)).
[18] في النسخ غير (ق): ((خلف)) والمثبت من (ق).