شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب خطبة الإمام في الكسوف

          ░4▒ بابُ خُطبَةِ الإمَامِ في الكُسوفِ.
          وقالَتْ عَائِشَةُ وأَسْماءُ: خَطَبَ النَّبيُّ صلعم.
          فيه: عَائِشَةُ: (وَانْجَلَتِ(1) الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى على اللهِ بِمَا(2) هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ) الحديث. [خ¦1046]
          اختلف العلماء في الكسوف هل فيه خطبةٌ أم لا، فقال الشَّافعيُّ وإسحاق والطَّبريُّ: يخطب بعد الصَّلاة في الكسوف كالعيدين والاستسقاء، واحتجُّوا بهذا الحديث. وقال مالكٌ والكوفيُّون: لا خطبة في كسوف الشَّمس، واحتجُّوا في ذلك بأنَّ رسول الله(3) صلعم إنَّما خطب النَّاس لأنَّهم قالوا: إنَّ الشَّمس والقمر(4) كُسفت لموت أحدهم، وهو(5) ابن النَّبيِّ صلعم، فعرَّفهم أنَّ الشَّمس والقمر لا ينكسفان(6) لموت أحدٍ ولا لحياته، وأمرهم بالصَّلاة والدُّعاء(7) والصَّدقة.
          وقال ابن الباقِلَّانيِّ(8): إن قال قائلٌ(9): أليس رؤية الأهلَّة وحدوث الحرِّ والبرد وكلُّ ما قد أجرى الله العادة بحدوثِه على وتيرةٍ واحدةٍ آياتٌ! فما معنى قوله صلعم: (إنَّهما آيتان من آيات الله)، وأمرَ بالصَّلاة والذِّكر، ولم يقل إنَّ طلوع الشَّمس والقمر وحدوث الحرِّ والبرد آيةٌ من آيات الله؟
          فالجواب: أنَّ كلَّ هذه الحوادث آياتٌ لله سبحانه، ودلالةٌ على وجوده وقدمه، غير أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما خصَّ كسوفهما بأنَّهما آيتان لإخباره لهم عن ربِّه / بأنَّ(10) القيامة تقوم وهما منكسفان وذاهبا النُّور، فلمَّا أعلمهم ذلك أمرهم عند رؤية الكسوف بالَّصلاة والتَّوبة(11) والإقلاع والشُّروع في صالح الأعمال خوفًا(12) من أن يكون الكسوف لقيام السَّاعة، ليعدُّوا لها، فهذا تأويل كونهما آيتان.
          قال المُهَلَّبُ: وكان(13) هذا قبل أن يُعلِمه الله ╡ بأشراط السَّاعة، فأشراطها(14) كثيرةٌ، وسيأتي ذكرها في كتاب الفتن(15).


[1] في (م) و(ق): ((خطب النبي صلعم وقالت عائشة بعد ما صلى وانجلت)).
[2] في (م): ((ما)).
[3] في (م): ((النبي)).
[4] قوله: ((والقمر)) ليس في (م) و(ق).
[5] في (م): ((لموت إبراهيم)).
[6] في (م): ((يكسفان)).
[7] في (م) و (ق): ((وأمرهم بالدعاء والصلاة)).
[8] في (ز) و(ي): ((وقال القاضي أبو الطيب))، في (ص): ((وقال القاضي بن الطيب)) والمثبت من (م) و(ق).
[9] قوله: ((إن قال قائلٌ)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((أنَّ)).
[11] في (م) و(ق): ((والندم)).
[12] في (م) و(ق): ((الأعمال ليرفع الأمان)).
[13] في (م) و(ق): ((كان)).
[14] في (ص): ((فإنَّ أشراطها)).
[15] زاد في (م) و(ق): ((إن شاء الله تعالى)) وقوله: ((وقال القاضي أبو الطيب:... في كتاب الفتن)) جاء في (م) و (ق) قبل قوله الآتي: ((باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف)).