شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف

          ░7▒ باب التَّعوُّذِ من عذابِ القبرِ في الكسوفِ.
          فيه: عَائِشَة: (أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ(1) تَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ(2): أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللهِ صلعم أَيُعَذَّبُ النَّاسُ في قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: عَائِذًا بِاللهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صلعم ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا، فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى، فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَانَي الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يصلِّي، فذكر صلاة الكسوف، ثمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا(3) مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ). [خ¦1049] [خ¦1050]
          وترجم له: باب صلاة الكسوف بالمسجد(4).
          قوله: (فَرَجَعَ رَسُولُ الله ِصلعم(5) ضُحًى، فَمَرَّ بَيْنَ ظَهْرَانَي الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) فإنَّ العلماء اختلفوا في وقتها، فقال مالكٌ في «المدوَّنة»: إنَّها إنَّما تُصلَّى ضحوة النَّهار ولا تُصلَّى بعد الزَّوال، وروى عليُّ بن زياد عنه(6): لا تُصلَّى بعد العصر، ولكن يجتمع النَّاس فيدعون ويتصدَّقون(7) ويرغبون(8)، وروى عنه ابن وهبٍ أنَّها تُصلَّى في وقت صلاةٍ، وإن كان بعد الزَّوال. وقال ابنُ حبيبٍ: وهكذا أخبرني(9) ابنُ الماجِشون ومطرِّفٌ وأصبغ وابنُ عبد الحكم، وأنكروا روايةَ ابن القاسمِ، وبهذا قال الكوفيُّون: لا تُصلَّى في الأوقات المنهيِّ عن الصَّلاة فيها(10) لورود النَّهي بذلك، وتُصلَّى في سائر الأوقات، وهو قول ابن أبي مليكة وعطاءٌ وجماعةٌ. وقال الشَّافعيُّ: تُصلَّى(11) في كلِّ وقتٍ نصف النَّهار وبعد العصر والصُّبح(12)، وهو قول أبي ثورٍ، وقالوا: نهيه ◙ عن الصَّلاة بعد الصُّبح والعصر إنَّما هو عن النَّافلة المبتدأة لا عن المكتوبات والمسنونات. وعند أهل المقالة الأولى النَّهي عن(13) الصلاة المسنونة كنهيه عن النَّافلة(14) المبتدأة.
          وفيه: أنَّ عذاب القبر حقٌّ، وأهل السُّنَّة مجمعون على الإيمان به والتَّصديق، ولا ينكره إلَّا مبتدعٌ.
          وأمَّا / صلاة الكسوف في المسجد فهو الَّذي عليه العلماء، وذكر ابن حبيبٍ: أنَّ للإمام إن شاء أن يصلِّيها في المسجد تحت سقفه(15) أو في صحنه، وإن شاء خارجًا(16) في البَراز، وقاله أَصْبَغ.


[1] في (م): ((جاءتها)).
[2] زاد في (م): ((لها)).
[3] في (م): ((يتعوذا)).
[4] في (م): ((في المسجد)).
[5] قوله: ((رَسُولُ الله ِصلعم)) ليس في (ص).
[6] في (م): ((وروي عن علي بن زياد)) وفي (ق): ((وروى عنه علي بن زياد))، في (ص): ((وروي عن عليٍّ وابن زيادٍ عنه)).
[7] في (م) و(ق): ((ويكبرون))، في (ص): ((وينصرفون)).
[8] قوله: ((ويرغبون)) ليس في (ي).
[9] في (م) و (ق): ((فسَّر لي)).
[10] قوله: ((الصلاة فيها)) ليس في (ص).
[11] زاد في (م) و (ق): ((صلاة الكسوف)).
[12] في (ص): ((وبعد الصُّبح)).
[13] في (م) و(ق): ((المقالة المتقدمة النهي فيها عن)).
[14] في (ص) لعلَّها: ((كهيئة النافلة)).
[15] في (م) و (ق): ((سقف)).
[16] في (ق): ((خارجه)).