شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصدقة في الكسوف

          ░2▒ باب الصَّدَقَةِ في الكُسُوفِ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (كَسَفَت(1) الشَّمْسُ(2) في عَهْدِ رَسُولِ الله صلعم فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ تجلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا(3)، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ أَنْ يَزْنِي عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا). [خ¦1044]
          فيه: أنَّ الإمام يلزمُه(4) عندَ الآياتِ موعظته النَّاس(5)، ويأمرهم بأعمالِ البرِّ، وينهاهُم عن المعاصي، ويذكِّرهم نقمات الله تعالى، وفيه: أنَّ الصَّدقة والصَّلاة والاستغفار تكشف النِّقمَ وترفع العذابَ، ألا ترى قوله ◙ للنِّساء: ((تصدَّقنَ فإنِّي رأيتكنَّ أكثرَ أهلِ النَّارِ)).
          قال المُهَلَّبُ: وفيه دليلٌ أنَّ أكثر(6) ما تهدَّد ◙ في ذلك(7) الوقت بالكسوف إنَّما كان من أجل الزِّنا(8)، وذلك عظيمٌ في عهد النُّبوَّة وطراوة الشَّريعة، فلذلك قال ◙ هذا القول، وفي(9) قوله: (واللهِ لَو تَعْلَمُونَ ما أَعلَم لَضَحِكْتُم قَلِيلًا ولَبَكَيتُم كَثِيرًا) دليلٌ على(10) أنَّهم كانوا مقبلين على اللهو واللَّعب، وكذلك كانت عادة الأنصار قديمًا يحبُّون الغناء واللهو والضَّحك، ألا ترى قول النَّبيِّ صلعم لعائشة في إقبالها من عرس: ((هَلْ كانَ عندَكم لهوٌ، فإنَّ الأنصارَ تحبُّ اللهوَ))، فدلَّ هذا أنَّ اتِّباع(11) اللهو من الذُّنوب التي يُتوعَّد عليها بالآيات، يشهد لذلك حديث المعازف والقيان.


[1] في (ص): ((كُسِفَت)) بضبط الحركات.
[2] في (م) و(ق): ((عائشة خسفت الشمس)).
[3] في (م) و (ق): ((وكبروا وتصدقوا وصلوا)).
[4] في (ق): ((تلزمه)).
[5] في (ص): ((للنَّاس)).
[6] في (ز): ((أكبر)) والمثبت من باقي النسخ.
[7] في (م): ((تهددوا عليه ذلك)).
[8] في (ز) و(ي) و(ص): ((الغناء)) والمثبت من (م) و(ق).
[9] في (ز) و(ي) و(ص): ((في)) والمثبت من (م) و(ق).
[10] قوله: ((على)) ليس في (م) و(ق).
[11] قوله: ((اتباع)) ليس في (م) و (ق).