شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: في النكاح

          ░11▒ باب: في النِّكَاحِ
          فيه: أبو هُرَيْرَةَ: عَنِ النبيِّ صلعم قَالَ: (لا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلا الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ(1): إِذَا سَكَتَتْ). [خ¦6968]
          وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا لَمْ تُسْتَأْذَنِ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ(2)، فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ، فَلا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا وَهُوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ.
          وفيه: الْقَاسِمُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إلى شَيْخَيْنِ(3) مِنَ الأنْصَارِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ جَارِيَةَ قَالا: فَلا تَخْشَيْنَ، فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ، فَرَدَّ النَّبيُّ صلعم ذَلِكَ. [خ¦6969]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله صلعم(4): (لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ). [خ¦6970]
          قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِيَ رَجُلٌ جَارِيَةً ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا فَأَبَتْ، فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَيْ زُورٍ على أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَأَدْرَكَتْ فَرَضِيَتِ، فَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلانِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ.
          قال المؤلِّف: لا يحلُّ هذا النكاح للزوج الذي أقام شاهدي زورٍ على رضا المرأة أنَّه تزوَّجها عند أحدٍ من العلماء، وليس حكم القاضي بما ظهر له من عدالة الشاهدين في الظاهر مُحلًّا ما حرَّم الله تعالى؛ لقوله صلعم: ((فإنَّما أقطع له قطعةً من النار))، ولتحريم الله تعالى(5) أكل أموال الناس بالباطل، ولا فرق بين أكل المال الحرام ووطء الفرج الحرام في الإثم.قال المُهَلَّب: احتيال أبي حنيفة ساقطٌ؛ لأمر النبيِّ صلعم باستئذان المرأة واستئمارها عند النكاح، وردِّ صلعم نكاح من تزوَّجت كارهةً في حديث خنساء، وقد قال الله تعالى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:232] / فاشتراط الله تعالى رضا المرأة في النكاح يوجب أنَّه متى عدم هذا الشرط في النكاح لم يحلَّ، وإنَّما قاس أبو حنيفة مسائل هذا الباب على القاضي إذا حكم بطلاقها بشاهدي(6) زورٍ وهو لا يعلم؛ أنَّه يجوز أن يتزوَّجها من لا يعلم بباطل هذا الطلاق ولا تحرم عليه بإجماع العلماء، وكذلك يجوز أن يتزوَّجها من يعلم ولا تحرم، عليه وهذا خطأٌ في القياس؛ وإنَّما حلَّ تزويجها لمن لا يعلم باطن أمرها؛ لأنَّه جهل ما دخل فيه.
          وأمَّا الزوج الذي أقام شاهدي الزور(7) فهو عالمٌ بالتحريم متعمِّدٌ لركوب الإثم، فكيف يقاس من جهل شيئًا، فأتاه فعُذر بجهله على من تعمَّده وأقدم(8) عليه وهو عالمٌ بباطنه؟! ولا خلاف بين العلماء أنَّه من أقدم على ما لا يحلُّ له فقد أقدم على الحرام البيِّن الذي قال فيه النبيُّ صلعم: ((الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ)) وليس للشبهة فيه موضعٌ، ولا خلاف بين الأمَّة أنَّ رجلًا لو أقام شاهدي زورٍ على ابنته أنَّها أمته وحكم الحاكم بذلك أنَّه لا يجوز له وطؤها، فكذلك الذي شهد على نكاحها هما في التحريم سواءٌ.
          والمسألة التي في آخر الباب لا يقول بها أحدٌ وهي خطأٌ كالمسألتين المتقدِّمتين.


[1] في (ص): ((فقال)).
[2] في (ص): ((تتزوج)).
[3] في (ص): ((شخصين)).
[4] في (ص): ((قال ◙)).
[5] قوله: ((الله تعالى))ليس في (ص).
[6] في (ص): ((بشاهد)).
[7] في (ص): ((زور)).
[8] في (ص): ((فأقدم)).