شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان

          ░11▒ بَابُ مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدفَعْهَا(1) إِلَى السُّلْطَانِ
          فيهِ زَيْدٌ: (أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبيَّ صلعم عَنِ اللُّقَطَةِ، فقَالَ(2): عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا، وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْ بِهَا) الحديثَ. [خ¦2439]
          لا(3) يجبُ عندَ جماعةِ العلماءِ على مُلْتَقِطِ اللُّقَطَةِ إنْ لم تكن ضالَّةً مِنَ الحيوانِ أن يدفعَها إلى السُّلطانِ، وإنَّما معنى هذه الترجمةِ أنَّ السُّنَّةَ وردت بأنَّ واجدَ اللُّقَطَةِ هو الَّذي يعرُّفها دون غيره لقوله ◙: ((عرِّفها سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُها وَإِلَّا فَشَأْنُك بِهَا)) لأنَّهم اختلفوا في المُلْتَقِطِ إنْ كان غيرَ مأمونٍ على اللُّقَطَةِ على قولينِ: أحدُهما: أنَّه(4) يعرُّفُها سنةً، وليس للسُّلطانِ أخذُها منه. والثَّاني: أنَّ للسُّلطانِ أخذها منه ويدفعها إلى ثقةٍ يعرِّفُها.
          واختلفَ قولُ الشَّافعيِّ على هذينِ القولينِ، وأمَّا حكمُ الضَّوالِّ فإنِّها تحتاجُ إلى حِرْزٍ ومؤنةٍ، وهذا لا يكونُ إلَّا بحكمِ حاكمٍ، ولهذا كانتْ تُدْفَعُ(5) ضوالُّ الإبلِ إلى عُمَرَ وعُثْمَانَ وسائرِ الخلفاءِ بعدهما.
          واختلفوا إذا التَقَطَ لقطةٌ فضاعت عندَه، فقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وزُفَرُ: إنْ أشهدَ أنَّه أخذَها ليعرِّفها لم يضمنها إن هلكت، وإن لم يُشْهِد ضمنَها، واحتجَّ بحديثِ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ(6) أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قالَ: ((مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوِي عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّبْ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وإلَّا فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)) رواه خالدٌ الحَذَّاءُ عن يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيرِ عن مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيرِ عن عِيَاضٍ عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          وقَالَ مَالِكٌ وأبو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ والشَّافعيُّ: لا ضمانَ عليه إنْ هلكتْ مِنْ غيرِ تضييعٍ منه وإنْ لم يُشْهِدْ. وحجَّتُهم إجماعُ العلماءِ أنَّ المغصوباتِ لو أشهدَ الغاصبُ على نفسِهِ أنَّه غصبَها لم يُدْخِلْها إشهادُهُ ذلك في حكمِ الأماناتِ، فكذلك تركُ الإشهادِ على الأماناتِ لا يُدْخِلْها في حكمِ المغصوباتِ(7) ولا خلافَ أنَّ المُلْتَقِطَ أمينٌ لا يضمنُ إلَّا بما تُضْمَنُ به الأماناتُ مِنَ التَّعدِّي والتَّضييعِ.
          وأمَّا حديث عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ فمعناه: أنَّ المُلْتَقِطَ إذا لم يُعرِّف اللُّقَطَةَ ولم يُشهدها(8) وكتمَها، ثمَّ قامت(9) عليه بيِّنةٌ أنَّه وجدَ لقطة وضمَّها إلى مالِه ثمَّ ادَّعى تلفَها، أنَّه لا يُصَدَّقُ ويضمنُها(10) لأنَّه بفعلِه ذلك خارجٌ عن الأمانةِ، إلَّا أن تقومَ البيِّنةُ على تلفِها، وأمَّا إذا عرَّفها في المحافلِ ولم(11) يُشْهِدْ فلا ضمانَ عليه.
          وقولُه: ((وإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ))، فإنَّه يريدُ انطلاقَ يدِ المُلْتَقِطِ عليها بعد الحولِ ثم َّيضمنُها لصاحبِها إن جاءَ بإجماعٍ.


[1] في (ز): ((يرفعها)).
[2] في المطبوع: ((قال)).
[3] في (ز): ((ولا)).
[4] زاد في (ص): ((لا)).
[5] في (ز): ((ترفع)).
[6] في (ز): ((حماد)).
[7] في (ز): ((المضمونات)).
[8] في (ز): ((ينشدها)).
[9] في (ز): ((قدمت)).
[10] في (ز): ((ويضمن)).
[11] في (ز): ((وإن لم)).