شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ضالة الإبل

          ░2▒ بَابُ ضَالَّةِ الإِبِلِ
          فيهِ زَيدُ بنُ خَالِدٍ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُ(1)، فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا، وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: لَكَ، أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: ضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ(2) وَجْهُ النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ). [خ¦2427]
          قال أبو عُبَيْدٍ: العِفَاصُ: الوعاءُ الَّذي(3) تكون فيه النَّفَقَةُ مِنْ جِلْدٍ كان أو غيره، ولهذا يُسَمَّى(4) الجلدُ الَّتي تلبسه القارورةُ العفاصَ لأنَّه كالوعاءِ لها، والوكِاءُ: الخيطُ الَّذي يُشَدُّ به، وحذاؤها يعني: أخفافُها، يقول: إنَّها(5) تقوى على السَّيرِ وتقطعُ(6) البلاد، وسقاؤها: يعني أنَّها تقوى على ورودِ المياه لتشربَ والغنم لا تقوى على ذلك.
          واختلفوا في ضالةِ الإبلِ هل تُؤْخَذُ؟ فقال(7) مالكٌ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ: لا يأخذها ولا يعرفها لنهيه ◙ عن ضالِّةِ الإبل، وقال اللَّيثُ: إن وجدها في القرى عرَّفها، وفي الصَّحراء لا يقربها.
          وقال الكوفيُّون: أخذُ ضالَّة الإبل وتعريفها أفضلُ لأنَّ تركها سببٌ لضياعها، قالوا: وأمرُ عُمَرَ بتعريف البعير يدلُّ على جواز ذلك، وإنَّما النَّهيُّ عن أخذها لمَنْ يأكلها، وهو معنى قول عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ☺: لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلَّا ضَالٌّ.
          وقد باع عُثْمَانُ ضوالَّ الإبل، وحبسَ أثمانها على أربابِها(8) ورأى أنَّ ذلك أقرب إلى جمعها عليهم لفساد النَّاسِ. قيل لهم: تركُ(9) عُمَرَ لضوالِّ الإبلِ أشبه لمعنى(10) قوله ◙: ((مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّها)) وذلك أقربُ إلى جمعِها على صاحبِها مع جورِ الأئمَّةِ، لأنَّ صاحبَها لا يستطيعُ أن يُخَاصِمَ فيها الإمامَ الجائرَ، ولا يجدُ مَنْ يحكم له عليه، ويستطيعُ أن يخاصمَ فيها للرَّعيَّة(11) فيقضي له عليه السُّلطانُ، وظاهر الحديثِ على تركها حيث وجدها وللنَّهي عن أخذها.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وممَّن رأى أنَّ ضالَّةَ البَّقرِ كضالَّةِ الإبل: طاوسٌ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ. وقَالَ مَالِكٌ والشَّافعيُّ في ضالَّةِ البقرِ: إن وُجِدَتْ بموضعٍ يُخَافُ عليها فهي بمنزلةِ الشَّاةِ، وإن كان(12) بموضعٍ لا يُخَافُ عليها فهي بمنزلةِ البعيرِ.
          قال ابنُ حَبِيبٍ: والخيلُ والبغالُ والعبيدُ وكلُّ ما يَسْتَقلُ بنفسِهِ ويذهبُ هو داخلٌ في اسمِ الضَّالَّةِ، وقد شدَّد رَسُولُ الله صلعم في أخذِ كلِّ ما يُرجى أن يصلَ إلى صاحبه، فمَنْ أخذ شيئًا مِنْ ذلك في غير الفَيَافِي فهو كاللُّقَطَةِ، ومَنْ أخذ(13) شيئًا مُجْمِعًا على أخْذِهِ ثمَّ أرسلَه فهو له ضامنٌ، إلَّا أن يأخذَه غير مُجْمِعٍ على أخذِهِ مثل: أن يمرَّ رجلٌ في آخر الرَّكبِ أو آخر الرُّفْقَةِ فيجدَ شيئًا ساقطًا، فيأخذه ويُنادي في(14) أمامه: لكم(15) هذا؟ ! فيُقال له: لا ثمَّ يُخَلِّيهِ في مكانِهِ فلا شيءَ عليه فيه(16). فهذا(17) قولُ مالكٍ.
          قالُ غيرُهُ: وأمَّا إنْ وجدَ عرضًا فأخذه وعرَّفه فلم يجد صاحبَه، فلا يجوز له رَدُّهُ إلى الموضعِ الَّذي وجده(18) فيه، فإنْ فعلَ وتلفَ ضَمِنِهُ لصاحِبِه، وذكر ابنُ المُنْذِرِ عن الشَّافعيِّ إن أخذ بعيرًا ضالًّا ثمَّ أرسلَه فتلف فعليه الضَّمَانُ.


[1] في (ز): ((يلتقطه))، وتحتمل في (ص).
[2] صورتها في (ز): ((فتغمر)).
[3] في (ز): ((الَّتي)).
[4] في (ز): ((سمِّي)).
[5] قوله: ((أنَّها)) ليس في (ز).
[6] في (ز): ((وقطع)).
[7] في (ز): ((قال)).
[8] قوله: ((أربابها)) ليس في (ص).
[9] زاد في (ز): ((عمر)).
[10] في (ز): ((بمعنى)).
[11] في (ز): ((الرَّعيَّة)).
[12] في (ز): ((كانت)).
[13] قوله: ((منها)) ليس في (ز).
[14] في (ز): ((من)).
[15] في (ز): ((ألكم)).
[16] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).
[17] في (ز): ((وهذا)).
[18] في (ز): ((وجد)).