شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا وجد خشبة في البحر أو سوطًا أو نحوه

          ░5▒ بَابُ إِذَا وَجَدَ / خَشَبَةً في البَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ
          [فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ...(1)، فَخَرَجَ يَنْظُرُ(2) مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا(3) بِالخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا، وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ) الحديثَ. [خ¦2430]
          هذه الخشبة حكمها حكم اللُّقَطَة]
(4)، قال المُهَلَّبُ: وإنَّما أخذها حطبًا لأهله لأنَّه قوي عنده انقطاعها عن(5) صاحبها لغلبة العطب على صاحبها وانكسار سفينته.
          وروى ابنُ عبدِ الحَكَمِ عن مالكٍ أنَّه(6) قال: إذا ألقى البحر خشبةً فتركُها(7) أفضلُ، وقال ابنُ شَعْبَانَ: فيها قولٌ آخر: إنَّ واجدها(8) يأخذها، فمتى جاء ربُّها غرم له قيمتها.
          واختلفَ العلماءُ فيما يفعل باللُّقَطَة اليسيرةِ، فرخَّصت طائفةٌ في أخذِها والانتفاعِ بها وتركِ تعريفِها، وممَّن رُوِيَ ذلك عنه: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعليُّ بنُ أبي طالبٍ وابنُ عُمَرَ وعائشةُ، وهو قول عَطَاءٍ والنَّخَعِيِّ وطَاوُسٍ.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: روينا(9) عن عائشةَ في اللُّقَطَةِ: لا بأسَ بما دون الدِّرهم أن يستمتع به، وعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قال: كانوا يرخصون في السَّوطِ والحبلِ ونحوه إذا وجده الرَّجُلُ ولم يعرفْ صاحبَه أن ينتفع به، وقال عَطَاءٌ: لا بأس للمسافرِ إذ وجد السَّوطَ والسِّقاءَ والعليقَ(10) أن يستمتع بهما(11)، وحديثُ الخشبةِ الحُجَّةُ لهذه المقالةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلعم أخبر أنَّه أخذَها حَطَبًا(12) لأهلِه، ولم يأخذْها ليُعَرِّفَها، وأقرَّ النَّبيُّ صلعم ذلك، ولم يذكرْ أنَّه فعل ما لا ينبغي له، وأوجبت طائفةٌ تعريف قليل اللُّقْطَة وكثيرِها حولًا إلَّا ما لا قيمةَ له.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: روينا(13) ذلك عن أبي هريرة أنَّه قال في لُقَطَةِ الحبلِ والزِّمَامِ ونحوه: عرِّفه فإن وجدتَ صاحبَه رددته عليه وإلَّا استمتعت به، وهو قولُ مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدِ بنِ حنبلٍ.
          قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وجدَ لُقَطَةً دينارًا أو درهمًا أو أقلَّ مِنْ ذلك فليعرِّفه سنةً، إلَّا الشَّيء اليسير مثل القرصِ أو الفلسِ(14) أو الجوزةِ أو نحو ذلك، فإنَّه يتصدَّق به مِنْ يومه، ولا أرى أن يأكلَه، ولا يأكلُ التَّمراتِ والكسرةِ(15) إلَّا المحتاجُ، وأمَّا النَّعلانِ والسَّوطِ وشبه ذلك، فإنَّه(16) يعرِّفه، فإن لم يجدْ له صاحبًا تصدَّق(17) به، فإن جاء صاحبُه غرمَه.
          وهو قول الكوفيِّين إلَّا في مدَّةِ التَّعرِيفِ فإنَّهم قالوا: ما كان عشرةُ دراهمٍ فصاعدًا عرَّفه حولًا، وما كان دون ذلك عرَّفه بقدرِ ما يراه، وقال الثَّوْرِيُّ: تُعَرَّفُ الدَّرَاهِمُ أربعةَ أيَّامٍ وقال أحمدُ: يُعَرِّفُه سنةً، وقال إِسْحَاقُ: ما دون الدِّينارِ يُعَرِّفُه جُمْعَةً أو نحوها(18). وحُجَّةُ هذه المقالةِ قولُه ◙ في اللُّقْطَةِ: ((اعْرَفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا))، ولم يخصَّ قليلَ اللُّقَطَةِ مِنْ كثيرِها، فيجبُ على ظاهرِ حديثِ زيدِ بنِ خالدٍ أن يستوي حكم قليلها وكثيرها في ذلك.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: ولا أعلم(19) شيئًا اسْتُثْنِي مِنْ جملةِ هذا الخبرِ إلَّا التَّمرةُ الَّتي منعه مِنْ أكلِها خشيةَ أن تكون مِنَ الصَّدقةِ، فما له بقاءٌ ممَّا زاد على التَّمرةِ وله قيمةٌ يجبُ تعريفَه.
          واختلفوا فيما لا يبقى إلى مدَّةِ التَّعريفِ، فقَالَ مَالِكٌ: يتصدَّقُ به أحبُّ إليَّ، قيل لابنِ القَاسِمِ: فإن أكلَه أو تصدَّقَ به وأتى صاحبُه؟ قال: لا يضمنه في قياسِ قولِ مالكٍ على الشَّاةِ يجدُها في فيافي الأرضِ، وفي قولِ الكوفيِّين: ما لا يبقى إذا أتى عليه يومانِ أو يومٌ وفسدَ، قالوا: يعرِّفه فإن خافَ فسادَه تصدَّقَ به، فإن جاء ربُّه ضمنَه، وهو قولُ الشَّافعيِّ، وحُجَّتُهم أنَّ ما كان له ربٌّ فلا يملكه عليه أحدٌ إلَّا بتملُّكِه(20) إيَّاه قلَّ أو كثر.


[1] زاد في المطبوع: ((وساق الحديث)).
[2] زاد في المطبوع: ((لعلَّ)).
[3] زاد في المطبوع: ((هو)).
[4] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[5] في (ز): ((من)).
[6] قوله: ((أنَّه)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((فترك أخذها)).
[8] في (ز): ((وجدها)).
[9] في (ز): ((وروينا)).
[10] في (ز): ((والنَّعلين)).
[11] في (ز): ((به)).
[12] في (ز): ((حطبٌ)).
[13] في (ز): ((وروينا)).
[14] في (ز): ((والفلس)).
[15] في (ز): ((والكسر)).
[16] في (ز): ((فبأنَّه)).
[17] في (ز): ((يتصدَّق)).
[18] قوله: ((وقال أحمد: يعرِّفه سنةً، وقال إسحاق: ما دون الدِّينار يعرِّفه جمعةً أو نحوها)) ليس في (ز).
[19] في (ز): ((أعلم)).
[20] في (ز): ((بتمليكه)).