عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الاغتسال للمحرم
  
              

          ░14▒ (ص) باب الاِغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان الاغتسال إمَّا لأجل التطهير مِنَ الجنابة، وإمَّا لأجل التنظيف، قال ابن المنذر: أجمعوا على أنَّ للمحرم أن يغتسل مِنَ الجنابة.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ.
          (ش) مطابقتُه للتَّرجمة ظاهرةٌ.
          وهذا تعليقٌ وصله الدَّارَقُطْنيُّ والبَيْهَقيُّ مِن طريق أيُّوب عن عِكْرِمَة عنه، قال: يدخل المحرم الحمَّام وينزع ضِرسَه، وإذا انكسر ظُفرُه طرحه، ويقول: أميطوا عنكم الأذى؛ فإنَّ الله لا يصنع بأذاكم شيئًا، وروى البَيْهَقيُّ مِن وجهٍ آخَرَ عنِ ابن عَبَّاس: أنَّهُ دخل حمَّامًا بالجُحْفة وهو مُحرِمٌ، وقال: إنَّ الله لا يعبأ بأوساخكم شيئًا، وحكى ابن أبي شَيْبَةَ كراهة ذلك عنِ الحسن وعطاء، وفي «التَّوضيح»: وأجاز الكوفيُّون والثَّوْريُّ والشَّافِعِيُّ وأحمد وإسحاق للمُحرِمِ دخولَ الحمَّام، وقال مالكٌ: إن دخله فتدلَّك وأنقى الوسخ؛ فعليه الفدية، وحُكِيَ عن سعد بن عُبَادَة مثلُ قول مالكٍ، وكان أشهبُ وابن وَهْب يتغاطسان في الماء وهما مُحرِمان، مخالفةً لابن القاسم، وكان ابن القاسم يقول: إن غمس رأسه في الماء أَطعَم شيئًا مِن طعامٍ؛ خوفًا مِن قتل الدوابِّ، ولا تجب الفدية إلَّا بيقينٍ، وعن مالكٍ استحبابُه، ولا بأسَ عند جميع أصحاب مالك أن يصبَّ المحرم على رأسه الماء لحرٍّ يجدُه، وقال أشهب: لا أكره غمسَ المحرِمِ رأسَه في الماء، ونقل ابن التِّين أنَّ انغماسَ المحرم فيه محظورٌ، ورُوِي عنِ ابن عمر وابن عَبَّاس إجازتُه، وأَمَّا إن غسَل رأسه بالخِطْميِّ والسِّدر؛ فإنَّ الفقهاء يكرهونه، وهو قول مالكٍ وأبي حنيفة والشَّافِعِيِّ، وأوجب / مالكٌ والشَّافِعِيُّ عليه الفدية، وقال الشَّافِعِيُّ وأبو ثور: لا شيء عليه، وقد رَخَّص عطاء وطاوُوس ومجاهد لِمَن لَبَّد رأسه فشقَّ عليه الحلقُ أن يغسل بالخِطمِيِّ حين يُلبِّي، وكان ابن عمر يفعل ذلك، وقال ابن المنذر: وذلك جائزٌ.
          (ص) وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالْحَكِّ بَأْسًا.
          (ش) مطابقتُه للترجمة مِن حيث إنَّ في الحكِّ مِن إزالة الأذى كما في الغسل، وأثر ابن عمر وصله البَيْهَقيُّ مِن طريق أبي مِجْلَزٍ قال: رأيتُ ابن عمر يحكُّ رأسه وهو محرمٌ، ففطنت له، فإذا هو يحكُّ بأطراف أنامله، وأثرُ عائشة وصله مالكٌ عن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عن أمِّه، واسمها مرجانة، سمعت عائشة تُسأَل عنِ المحرم: أيحكُّ جسده؟ قالت: نعم، وليَشدِد، وقالت عائشة: لو ربطتُ يدايَ ولم أجد إلَّا أن أحكَّ بِرِجْليِّ؛ لحككت.