نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس

          ░2▒ (بابٌ) بالتنوين (لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ) لأنَّ فيه دفع المفسدة وقمع الشَّر، ومعناه: أنَّ هذا الكذب لا يعدُّ كذبًا بسبب الإصلاح، مع أنَّه لم يخرج من حقيقته.
          فإن قيل: ترجم بلفظ الكاذب وسياق الحديث بلفظ الكذَّاب.
          فالجواب: أنَّه وقع في رواية مسلم من رواية معمر عن ابن شهاب بلفظ التَّرجمة، فأشار بها إلى ذلك.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: وكان حقُّ السِّياق أن يقول: ليس من يصلح بين النَّاس كاذبًا، لكنَّه ورد على طريق القلب وهو سائغٌ، انتهى.
          وقال العينيُّ: الذي ذكره هو حقُّ السِّياق؛ لأنَّ الحديث هكذا، فراعى المطابقة، غير أنَّ الاختلاف في لفظ الكذَّاب والكاذب، وكلاهما لفظ النَّبي صلعم في حديثٍ واحدٍ فلا يعدُّ اختلافًا، ودعوى القلب لا دليل عليها، مع أنَّ قوله في الحديث: ليس الكذَّاب من باب ذي كذا؛ أي: ليس بذي كذب، كما قيل في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] أي: وما ربُّك بذي ظلم؛ لأنَّ نفي الظلامية لا يستلزم نفي كونه ظالمًا، فلذلك يقدر بذلك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40].