نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا

          2410- (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالِسي، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابن الحَجَّاج (قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ) ضدُّ الميمنة، أبو زيد الزرَّاد، بالزاي وتشديد الراء (أَخْبَرَنِي) هو من تقديم الرَّاوي على الصِّيغة، وهو جائزٌ عندهم، وابنُ ميسرة هذا هلاليٌّ كوفيٌّ تابعيٌّ.
          (قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ) بفتح النون وتشديد الزاي، هو: ابن سَبْرة _بفتح السين وسكون الموحدة_ الهلالي العامري، ذكره أبو عمر بن عبد البر في جملة الصَّحابة ♥ ، وذكره غيره في التَّابعين الكبار، وليس له في البخاري إلَّا هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود ☺، وآخر في «الأشربة» عن عليٍّ ☺ [خ¦5615].
          (سَمِعْتُ) أي: قال النزَّال: سمعت (عَبْدَ اللَّهِ) هو: ابن مسعود ☺ (يَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلاً) قال الحافظُ العَسْقَلاني: يحتمل أن يفسَّر بعمر ☺ (قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلعم خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلعم فَقَالَ:كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ) أي: في القراءة، وأفرد باعتبار لفظ كلا.
          (قَالَ شُعْبَةُ) هو بالإسناد المذكور (أَظُنُّهُ قَالَ) أي: قال النَّبي صلعم (لاَ تَخْتَلِفُوا) أي: في القرآن، والاختلاف فيه كفر.
          (فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا) يعني: لا تنكروا إذا سمعتم أحداً يقرأ خلاف قراءتكم، ولا تُخيِّروا بين القراءتين إذا ثبت إنزالهما، وبقي تلاوتهما وتواترتا، فإن الاختلاف فيهما بإنكار قرآنية إحداهما كفر، فإنَّهما كلاهما كلامه تعالى قديم غير مخلوق بخلاف الشَّواذ من القراءات، وقد حقَّقنا الكلام في ذلك في رسالة مستقلَّة هل يجوز القراءة والإقراء بالشَّواذ أو لا، وكيف يمتاز الشَّواذ من غيرها بحيث لا يزيد عليه، لمِا جرى في عصرنا ممَّا جرى.
          وفي «معجم أبي القاسم البغوي»: حدَّثنا عبد الله بن مطيع: حَدَّثَنَا إسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن خُصَيفة، عن مسلم بن مِعَبد، عن أبي جَهْم بن الحارث بن الصِّمَّة: أنَّ رسول الله صلعم قال: ((إنَّ هذا القرآن نزل على سبعةِ أحرفٍ فلا تماروا في القرآن)) فإنَّ المراء فيه كفر. ورواه أيضاً أبو عُبَيد بن سَلَام في كتاب «القراءات» _له تأليفه_ عن إسماعيل بن جعفر.
          وفي «صحيح ابن حبَّان» عن عبد الله ☺: / أقرأني رسول الله صلعم سورة الرَّحمن فخرجتُ إلى المسجد عشيَّة، فجلستُ إلى رهطٍ فقلتُ لرجل: اقرأ عليَّ، فإذا هو يقرأُ أحرفاً لا أعرفها، فقلت: مَنْ أقرأك؟ قال: أقرأني رسولُ الله صلعم ، فانطلقنا حتَّى وقفنا على رسول الله صلعم فقلت: اختلفنا في قراءتنا، فإذا وجه رسول الله صلعم فيه تغييرٌ، ووجد في نفسه حين ذَكِرَ الاختلافُ، وقال: «إنَّما هلك مَنْ كان قبلكم بالاختلاف»، فأمر عليًّا ☺ فقال: «إنَّ رسول الله صلعم يأمركم أن يقرأَ كلُّ رجل منكم كما عُلِّم، فإنَّما هلك مَنْ كان قبلكم بالاختلاف»، قال: فانطلقنا وكلُّ رجلٍ منَّا يقرأ حرفاً لا يقرأُ صاحبه، انتهى.
          فهذا يدلُّ على أنَّ كلاًّ منهما ما خرج عن السَّبعة، فلذلك قال صلعم : ((كلاكما محسن)) وأمَّا أصل السَّبعة فما رواه ابن حبَّان في «صحيحه» من حديث أبيِّ بن كعب ☺ قال: قرأ رجل آية وقرأتها على غير قراءته، فقلت: مَنْ أقرأك هذه؟ قال رسول الله صلعم ، فانطلقتُ فقلت: يا رسول الله! أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: ((نعم))، فقال له الرَّجل: أقرأتني آية كذا وكذا، قال: ((نعم، إنَّ جبريل وميكائيل ♂ أتياني فجلسَ جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري، فقال جبريل ◙: يا محمَّد اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقلت: زدني، فقال: اقرأه على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتَّى بلغ سبعة أحرف، وقال: كلٌّ كافٍ شافٍ)). وفي لفظ: ((أنزل عليَّ القرآن على سبعة أحرف)).
          وعند التِّرمذي: قال النَّبي صلعم : ((يا جبريل! إنِّي بُعِثْتُ إلى أمَّة أُميِّة، منهم العجوز والشَّيخ الكبير والغلام والجارية والرَّجل الذي لم يقرأ كتاباً قطُّ، قال: يا محمَّد إنَّ القرآن أُنزِل على سبعة أحرف)). وسيأتي ما معنى الأحرف السَّبعة في باب «كلام الخصوم بعضهم في بعض» إن شاء الله تعالى [خ¦2419].
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: ((لا تختلفوا...)) إلى آخره؛ لأنَّ الاختلاف الذي يورث الهلاك هو أشدُّ الخصومة، قاله العَينيُّ.
          وقال الحافظُ العَسْقَلاني: إنَّ التَّرجمة في قوله: فأخذت بيده فأتيت به رسول الله صلعم ، فقال: إنَّه المناسب للتَّرجمة. وقال العَينيُّ: الذي قلته هو الأنسب، انتهى فافهم.
          قال ابن بطَّال: إذا كان الخصمُ في موضع يُخافُ فواتُه منه فلا بأس بإشخاصه وملازمته، وإن كان لا يُخافُ فليس له إشخاصه إلَّا بدافع من السُّلطان / إلَّا أن يكون في شيءٍ من الأمور الدِّينية.
          ورجال إسناد الحديث ما بين بصريٍّ وهو شيخه، وواسطيٍّ وهو شعبة، وكوفيٍّ وهو عبد الملك، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي عن الصَّحابي على قول، ورواية التَّابعي عن الصَّحابي عن الصَّحابي على قول آخر.
          والحديث أخرجه المؤلِّف في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3476]، و«فضائل القرآن» أيضاً [خ¦5062]، والنَّسائي في «فضائل القرآن».