نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال

          1881- (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ) الحزاميُّ _بالزاي_ قال: (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ) هو: ابنُ مسلم الدِّمشقيُّ القرشيُّ ثقةٌ، لكنه كثيرُ التَّدليس، وقد مرَّ في باب وقت المغرب [خ¦559]، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو) هو عبد الرَّحمن بن عمرو الأوزاعيُّ، قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) هو: ابنُ عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريُّ المدني، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ) من البلدان يسكن الناس فيها (إِلاَّ سَيَطَؤُهُ) أي: سيدخله (الدَّجَّالُ) قال الحافظ العسقلانيُّ: هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور.
          وشذَّ ابنُ جزم فقال: المراد: ألا يدخله بعثه وجنوده، وكأنَّه استبعد إمكان دخول الدَّجَّال جميع البلاد؛ لقصر مدَّته.
          وغفلَ عمَّا ثبت في «صحيح مسلم»: أنَّ بعض أيَّامه يكون قدر السَّنة. انتهى.
          وقال العينيُّ: يحتمل أن يكون إطلاق قدر السَّنة على بعض أيامه ليس على حقيقته، بل لكون الشدَّة العظيمة الخارجة عن الحدِّ فيه أطلق عليه كأنَّه قدر السنة.
          (إِلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ): أي: لا يطؤهما الدَّجال. وذكر الطبري من حديث عبد الله بن عمرو: إلَّا الكعبة وبيت المقدس. وزاد أبو جعفر الطَّحاوي: ومسجد الطور، ورواه من حديث جنادة بن أبي أميَّة عن بعض أصحاب النبي صلعم .
          وفي بعض الرِّوايات: / فلا يبقى له موضعٌ إلَّا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور؛ فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع.
          (لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا) أي: من نِقاب المدينة _بكسر النون_، جمع كثرة للنقب، كما مرَّ آنفاً [خ¦1880] (نَقْبٌ إِلاَّ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ) وفي رواية سقط لفظ: <نقب> وأنث الضَّمير هكذا: <ليس من نقابها إلَّا عليها الملائكة>، حال كونهم (صَافِّينَ) حال كونهم (يَحْرُسُونَهَا) وهي من الأحوال المتداخلة.
          (ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ) أي: تزلزل (بِأَهْلِهَا) الباء يحتمل أن تكون سببيَّة؛ أي: تضطرب بسبب أهلها لتنفض إلى الدَّجَّال الكافر والمنافق، وأن تكون للمُلابسة؛ أي: ترجف ملتبسة بأهلها.
          وقال المظهريُّ: ترجفُ المدينة بأهلها؛ أي: تحرِّكهم وتلقي ميل الدَّجال في قلب من ليس بمؤمنٍ خالص، فعلى هذا تكون الباء للتَّعدية(1) .
          (ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ) بفتحات (فَيُخْرِجُ اللَّهُ) في الثالثة منها (كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ) ويبقى بها المؤمن الخالص، فلا يسلط عليه الدَّجال، وفي رواية الكشميهنيِّ والحمويِّ: <فيخرج إليه> أي: إلى الدَّجال <كلُّ كافرٍ ومنافق>.
          وفي الحديث معجزة ظاهرة للنبيِّ صلعم حيث أخبر عن أمرٍ سيكون قطعاً. وفيه: بيان فضل المدينة، وفضل أهلها المؤمنين الخالصين، جعلنا الله منهم بحرمة النبيِّ الأمين عليه صلوات الله الملك المعين.
          وهذا الحديث أخرجهُ مسلم في الفتن، والنَّسائي في الحج.


[1] عبارة الإرشاد فالهاء صلة الفعل.