نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال

          1879- (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بن يحيى أبو القاسم القرشيُّ العامريُّ الأويسيُّ، قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) أبو إسحاق القرشيُّ قاضي بغداد.
          (عَنْ أَبِيهِ) سعد بن إبراهيم أبي إسحاق الزهريِّ القرشيِّ (عَنْ جَدِّهِ) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ☺ أبي محمد.
          (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) نُفَيع _بضم النون وفتح الفاء_ ابن الحارث بن كلدة الثقفيِّ (☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعُبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) الرُّعب _بالضم_: الخوف، / وفيه مبالغة؛ لأنَّ خوفه إذا لم يدخل فهو بالطريق الأولى.
          وسمِّي مسيحاً؛ لأنَّه يمسح الأرض، أو لأنَّه ممسوح العين؛ لأنَّه أعور، أو لسياحته.
          ويقال فيه: مسيخ بالخاء المعجمة؛ لأنه مشوه مثل الممسوخ، ويقال فيه: مِسِّيح _بكسر الميم والسين وتشديدها_؛ للفرق بينه وبين المسيح ابن مريم ♂، ووصف بالدجال هنا؛ ليتميَّز عن المسيح ابن مريم ♂.
          والدَّجَّال: اشتقاقه من الدَّجل، وهو الكذبُ والخلط، وهو كذَّاب خلاط، ويجمع الدَّجال على دجالين ودَجاجلة، وقيل: هو مأخوذٌ من الدَّجل، وهو طلي البعير بالقطران.
          سمِّي بذلك؛ لأنَّه يغطي الحقَّ بسحره وكذبه، كما يغطِّي الرَّجل جرب بعيره بالدَّجالة، وهو القطران.
          وقيل: سمي به لضربه نواحي الأرض وقطعه لها، يقال: دجل الرَّجل إذا فعل ذلك. وقيل: هو من الدَّجل بمعنى التَّغطية.
          وقال ابنُ دريد: كلُّ شيء غطَّيتَه فقد دجلتَه. ومنه سمِّيت دجلة؛ لانتشارها على الأرض وتغطيته ما فاضت عليه. وقيل: معناه: المموه، قاله ثعلب.
          (لَهَا) أي: للمدينة (يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ باب) وفي رواية الكشميهنيِّ: <لكل باب> (مَلَكَانِ) يحرسانها منه.
          فإن قيل: في حديث أنس ☺ الآتي [خ¦1881]: ((ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات))، والرجف: رعب، فهذا يعارض حديث الباب.
          فالجواب: أنَّ المراد بالرعب: ما يحدث من الفزع من ذكره، والخوف من عتوِّه، لا الرَّجفة التي تقع بالزلزلة؛ لإخراج من ليس بمؤمن.
          وقيل: إنَّ الرجفة تكون من أهل المدينة على من فيها من المنافقين والكافرين، فيخرجونهم من المدينة بإخافتهم إيَّاهم مغلظين عليهم، فيخرج المنافقون إلى الدَّجَّال فراراً من أهل المدينة، هكذا قيل.
          ويحتمل أن تكون تلك الرَّجفة لا تخيف أهل المدينة من المؤمنين.
          ورجال إسناد الحديث كلُّهم مدنيون، وفيه رواية تابعيٍّ عن تابعي، والحديث من أفراد المؤلف.