نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من لم يتشهد في سجدتي السهو

          ░4▒ (بابٌ مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ) أي: بعدهما.
          وقال الحافظ العسقلاني: أي: إذا سجدهما بعد السَّلام من الصَّلاة، وأمَّا قبل السَّلام فالجمهور على أنَّه لا يعيد التشهُّد، وحكى ابن عبد البر عن اللَّيث أنَّه يعيده. وعن البويطي عن الشَّافعي مثله، وخطَّأه في هذا النَّقل فإنَّه لا يعرف، وعن عطاء يتخيَّر، واختلف فيه عند المالكيَّة.
          وتعقَّبه العيني: بأنَّ البخاري ☼ لم يشر إلى هذا التَّفصيل أصلاً لا في التَّرجمة ولا في الذي ذكره في الباب، وإنَّما أراد بهذه التَّرجمة الإشارة إلى بيان من لا يرى التشهُّد في سجدتي السَّهو، وهو مذهب سعد وعمَّار وابن سيرين وابن أبي ليلى، فإنَّهم قالوا: من عليه السَّهو يسجدُ ويسلِّم ولا يتشهَّد.
          وقال أنس والحسن وعطاء وطاوس: ليس في سجدتي السَّهو تشهُّد ولا سلام. وقال ابن مسعود والشَّعبي والثَّوري وقتادة والحكم واللَّيث وحمَّاد: يتشهَّد، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشَّافعي وأحمد وإسحاق.
          وفي «التَّوضيح»: والأصحُّ عندنا؛ أي: معشر الشَّافعية / لا يتشهَّد، وهو ما حكاه الطَّحاوي عن الشَّافعي والأوزاعي، وهنا قول رابعٌ: إن سجد قبل السَّلام لا يتشهَّد، وإن سجد بعده يتشهَّد. رواه أشهب عن مالك، وهو قول ابن الماجشون وأحمد.
          وفي «مختصر المزني»: سمعت الشَّافعي يقول: إذا سجد بعد السَّلام تشهَّد، وإذا سجد قبل السَّلام أجزأه التشهُّد، والله أعلم.
          (وَسَلَّمَ أَنَسٌ) هو: ابن مالك ☺ (وَالْحَسَنُ) أي: البصري عقيب سجدتي السَّهو (وَلَمْ يَتَشَهَّدَا) وهذا التَّعليق وصله ابن أبي شيبة وقال: حدَّثنا ابن عُليَّة، عن عبد العزيز بن صُهَيب: أنَّ أنس بن مالك ☺ قعد في الرَّكعة الثَّانية فسبحوا به، فقام وأتمَّهن أربعاً، فلمَّا سلَّم سجد سجدتين، ثمَّ أقبل على القوم بوجهه وقال: افعلوا هكذا.
          وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن ابن مهدي، عن حمَّاد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن وأنس أنَّهما سجدا للسَّهو بعد السَّلام، ثمَّ قاما ولم يتشهَّدا.
          (وَقَالَ قَتَادَةُ: لاَ يَتَشَهَّدُ) لأنَّه روي عن شيخيه أنس والحسن أنَّهما لم يتشهَّدا، فذهب فيه إلى ما ذهب إليه. وقال الحافظ العسقلاني: كذا في الأصول التي وقفت عليها من البخاري، وفيه نظر، فقد رواه عبد الرَّزَّاق عن معمر عن قتادة قال: يتشهَّد في سجدتي السَّهو ويسلِّم، فلعلَّ «لا» في التَّرجمة زائدة أو يكون قتادة اختُلِف عليه في ذلك.
          وقال العينيُّ: وفي نظره نظر؛ لجواز أن يكون عن قتادة روايتان، فإذا قيل بزيادة «لا» فيما ذكره البخاري فلقائل أن يقول: لعلَّها سقطت فيما رواه عبد الرَّزَّاق هذا، فليتأمَّل.