نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: صلى لنا رسول الله ركعتين من بعض الصلوات

          1224- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسي (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) إمام دار الهجرة (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهري (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن هُرمز (الأَعْرَجِ) وسقط في رواية غير كريمة لفظ: «عبد الرَّحمن» ووقع هكذا <عن الأعرج>.
          (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية، وهو اسم أمِّ عبد الله، وقيل: اسم أمِّ أبيه، فينبغي أن يكتبَ ابن بُحينة بألف، وقد مرَّ في باب «من لم ير التشهُّد الأوَّل واجباً» [خ¦829]، وأنَّ الحديث أخرجه بقيَّة الجماعة أيضاً.
          (☺ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا) أي: إماماً لنا، وقد تقدَّم في «أبواب التشهُّد» من رواية شعيب عن ابن شهاب بلفظ: ((صلَّى بهم)) [خ¦829]، ويأتي في «الأيمان والنذور» من رواية ابن أبي ذئب عن ابن شهاب بلفظ: ((صلَّى بنا)) [خ¦6670].
          (رَسُولُ اللَّهِ صلعم رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ) بيَّن ذلك في الحديث الآتي أنَّها صلاة الظُّهر [خ¦1225] (ثُمَّ قَامَ) إلى الرَّكعة الثَّالثة (فَلَمْ يَجْلِسْ) للتشهُّد الأوَّل (فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ) زاد الضحَّاك بن عثمان عن الأعرج: ((فسبَّحوا به، فمضى حتَّى فرغ من صلاته)).
          واستنبط من هذا أنَّ من سها عن التشهُّد الأوَّل، واستوى قائماً لا يرجع إلى القعود، بل يمضي في صلاته، فقد سبَّحوا به صلعم ، فلم يرجع لتلبُّسه بالفرض فلم يبطله للسنَّة، وإن لم يستوِ قائماً جلس. رُوِيَ ذلك عن علقمة وقتادة وعبد الرَّحمن بن أبي ليلى، وهو قول الأوزاعي وابن القاسم في «المدوَّنة» والشَّافعي.
          وقال بعضهم: إذا فارقت أليته الأرض، وإن لم يعتدل لا يرجع، ويتمادى ويسجد قبل السَّلام. رواه ابن القاسم عن مالك في «المجموعة». وقالت طائفة: يقعدُ وإن كان استتم قائماً، روي ذلك عن النُّعمان بن بشر، والنَّخعي / والحسن البصري إلَّا أنَّ النَّخعي قال: يجلس ما لم يستتم القراءة. وقال الحسن: ما لم يركع، وقد روي عن عمر وابن مسعود ومعاوية وأبي سعيد والمغيرة بن شعبة وعقبة بن عامر ♥ أنَّهم قاموا من اثنتين، فلمَّا ذكروا بعد القيام لم يجلسوا، وقالوا: إنَّ النَّبي صلعم كان يفعل ذلك.
          وفي قول أكثر العلماء إنَّه من رجع إلى الجلوس بعد القيام من ثنتين لا تفسد صلاته، إلَّا ما ذكر ابن أبي زيد عن سحنون أنَّه قال: أفسد الصَّلاة رجوعه، والصَّواب قول الجماعة.
          (فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ) أي: لمَّا فرغ منها ما عدا تسليم التَّحليل، كذا رواه مالك عن شيخه. وقد يدلُّ عليه قوله بعد: «ونظرنا تسليمَه»، وقد استُدِلَّ به على أنَّ السَّلام ليس من الصَّلاة، حتَّى لو أحدث بعد أن جلسَ، وقبل أن يسلِّم تمَّت صلاته، وهو قول بعضِ الصَّحابة والتَّابعين، وبه قال إمامُنا أبو حنيفة ☼ .
          وتعقَّب الحافظ العسقلانيُّ: بأنَّ السَّلام لمَّا كان للتَّحليل من الصَّلاة كان المصلِّي إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته، ويدلُّ على ذلك قوله في رواية ابن ماجه من طريق جماعة من الثِّقات عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج: «حتَّى إذا فرغ من الصَّلاة إلَّا أن يسلم»، فدلَّ على أنَّ بعضَ الرُّواة حذف الاستثناء لوضوحه، والزِّيادة من الحافظ الثِّقة مقبولةٌ، فلا دَلالة في الحديث على ما استدلَّ به.
          وقال العيني: إنَّ أصحابنا ▓ ما اكتفوا بهذا في عدم فرضيَّة السَّلام، بل احتجُّوا أيضاً بحديث عبد الله بن مسعود ☺: أنَّ نبيَ الله صلعم أخذ بيده، فعلَّمه التشهُّد وفي آخره: «إذا قلت هذا أو قضيتَ هذا، فقد قضيتَ صلاتك إن شئتَ أن تقوم فقمْ، وإن شئت أن تقعدَ فاقعدْ». رواه أحمد في «مسنده»، وابن حبَّان في «صحيحه»، وإسحاق في «مسنده»، وهذا ينافي فرضيَّة السَّلام في الصَّلاة؛ لأنَّه صلعم خيَّر المصلِّي بين القيام والقعود بقوله: «إن شئت...» إلى آخره.
          والشَّافعية تمسكَّوا بقوله صلعم : ((تحريمها التَّكبير، وتحليلها التَّسليم)) ومعناه: لا يخرج عن الصَّلاة إلَّا به، ونحن نمنعُ إثبات الفرضيَّة بخبر الواحد، على أنَّ مدار هذا الحديث على عبد الله بن محمَّد بن عقيل، وعلى أبي سفيان طريف بن شهاب الدِّين، وكلاهما ضعيفان.
          والعجب من هذا القائل أنَّه وإن جوَّز للرَّاوي حذف شيء من الحديث لوضوحه، ولكن كيف يجوز التصرُّف في كلام النَّبي صلعم بالزِّيادة والنُّقصان لاسيَّما في باب الأحكام انتهى. وليس المراد القضاء الذي يقابل الأداء.
          (وَنَظَرْنَا) أي: انتظرنا (تَسْلِيمَهُ) وتقدَّم في رواية شعيب بلفظ: ((وانتظر النَّاس تسليمه)) [خ¦829] (كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) للسَّهو وجوباً عند الحنفيَّة، وندباً عند غيرهم، كما سيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى [خ¦1225].
          (وَهُوَ جَالِسٌ) والجملة حاليَّة (ثُمَّ سَلَّمَ) وزاد في رواية يحيى بن سعيد: ((ثمَّ سلَّم بعد ذلك))، وزاد في رواية اللَّيث الآتية: ((وسجدهما النَّاس معه مكان ما نسي من السُّجود)) [خ¦1230]. وسيأتي ما يتعلَّق بهذا الحديث في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى [خ¦1225].